الحمد لله، وبعد، فنعم؛ قد قال بعض أهل العلم ما ذكره السائل، فهو موضع خلاف،. ولكن الأقرب فيما ذكروا أنه يسمى نمصًا، والأظهر في حكم النمص التحريم مطلقًا، إلاّ إن كان إزالةً لعيب غير معتاد؛ فالضرر يزال، وهذا مقرر من قواعد الشريعة. وأما التزين للزوج فلا يسوغ التزين بمحرم من نحو وشر أو أو وشم، ونحوُهما النمص، والزينة إما أن تكون حرامًا أو تكون حلالًا، وما كان حلالاً حَلَّ لمن يَحِلُّ له النظر منها أن يراه، وما كان حرامًا فهو حرام؛ رآه أحد أو لم يره، وإن كان نظرُ من لا يحل له النظر إليها وهي متزينة أغلظَ حرمة.
والنصوص لم تقيد تحريم النمص بغير الزوج أو الأب أو الأم! بل حرمته مطلقًا، وإنما جاء الترخيص عن بعض الصحابة في شعر الوجه.
وأما النمص فالأصل فيه التحريم، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين أنه قال: لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله! فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغنى أنك لعنت كيت وكيت. فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول! قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه! أما قرأت: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)! [الحشر الآية 7]، قالت: بلى. قال: فإنه قد نهى عنه. قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه! قال: فاذهبي فانظري. فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئا، فقال لو كانت كذلك ما جامعتنا.
ولهذا الحديث وغيره فقد عدَّه كبيرةً من كبائر الذنوب جماعةٌ من أهل العلم، وهو الظاهر؛ لورود النصوص الصريحة في النهي عنه، ولعن فاعلته. والنمص في لغة العرب يشمل معنيين يدل عليهما وضع المادة اللغوي: الأول: هو نتف الشعر، والثاني: هو الرقة فيه والدقة. ولهذا قال ابن فارس في معجم المقاييس: “النون والميم والصاد أصل يدل على رقة شعر أو نتف له”، وهذه المعاني أخص بالحواجب، ولهذا كان الأظهر من قولي أهل العلم جواز أخذ المرأة من شعر الوجه غير الحاجبين؛ إذ ليس في ذلك غالبًا معنى الترقيق والتدقيق، والنتفُ وسيلةٌ ليست مقصودةً بذاتها، ولهذا شرعت في مواضع وكانت سنة، كنتف الإبط، وبقيت على الإباحة في غيرها، وهذا مما يدل على أن الآلة لا تغير حكم نمص الحاجبين ولا ترفع عن الحلق وصف الترقيق والتدقيق.
ومما تقدم يعلم أن ما ذكره السائل نمصٌ محرَّمٌ، والعاقلة من النساء لا تعرض نفسها للعنة، فلتتق الله ولتتزين بما أباحه الله؛ فإن فيه غُنْيةً، والله أعلم.