السؤال:
يا شيخي وأستاذي لما لا نتأدب مع حبيبنا وشفيعنا ونبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ بأن نقول ونقدم عند ذكر اسمه بسيدنا أو نبينا، ﻷن كثيراً من المشايخ والدعاة عندما يستدلون بحديث من أحاديثه يذكرون بـ “كما قال محمد” وحتى لو قال لنا قولوا اللهم صل على محمد في الحديث المعروف، أنا أعتبر هذا كأنما هناك نقصا وإساءة أدب في حقه صلى الله عليه وسلم .. أضرب لك مثلا: هل سمعت بأحد من العلماء الربانيين مثلكم قال ﻷحد أنا إسمي العالم أو الشيخ أوالدكتور الفلاني؟ ولوقال ﻷطلق عليه الناس بالمتكبر فما بالك بسيد المتواضعين بأبي وأمي أفديه بنفسي .. أنا قلت هذا الكلام ليس نزاعا بين المتصوفة أو أهل السنه والجماعة، وإنما أريد اﻹفادة ﻷستفيد وأفيد من سألني، وجزاكم الله خيرا.
===================================
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ذكر السيادة حسن، وهو من الإجلال والتوقير لسيدنا رسول الله ﷺ، ولكن تركه ليس دليل الجفاء وعدم اﻷدب، ﻷن الصحابة رضي الله عنهم ما عرف عن واحد منهم أنه ذكر السيادة بين يدي اسمه، بل إن اﻷعلام من المحدثين كالبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي واﻹمام أحمد وغيرهم من أصحاب الجوامع والمسانيد والسنن؛ لم يذكروا عن واحد من الصحابة أو التابعين أو اﻷئمة اﻷربعة في كتبهم أنه لقبه بالسيادة، ولا ذكر ذلك من كتب سيرته العطرة من اﻷوائل، كابن اسحق، وابن هشام، وابن سعد في طبقاته، فهل يقال إن هؤلاء جميعاً ما كانوا يحسنون اﻷدب معه؟! كلا وحاشا، فما هو السبب ياترى؟ أظن أن السبب يرجع إلى أحد أمرين:
اﻷول: لما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما السيد الله) [رواه الإمام أحمد في “مسنده” (4/24، 25)، ورواه أبو داود في “سننه” (4/255)، ورواه البخاري في “الأدب المفرد” (ص85) (حديث رقم 211)، كلهم من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه رضي الله عنهم]، فأنكر عليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهذا يدل على أنه لا يجوز إطلاق السيد على المخلوق؛ لأنه وصف للخالق، فهذا هو دليل من منع مع الإطلاق لفظ (السيد).
وقوم أجازوه واحتجوا بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم) [رواه الإمام البخاري في “صحيحه” (4/28) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] لما أقبل وكان يحمل على دابة، لأنه كان جريحًا، فهذا يدل على جواز إطلاق السيد على بعض الناس.
والقول الصحيح – إن شاء الله – أنه يجوز أن يُقال لبعض الناس: سيد إذا كان زعيمًا أو رئيسًا في قبيلته، فيقال: سيد بني فلان، أو سيد القبيلة الفلانية، بمعنى أنه زعيمها ورئيسها، ولا يكون هذا للإطراء والغلو، وإنما يكون من باب الوصف والتميز، يقال: فلان سيد بني فلان، وعليه من باب أولى أن يكون هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم)، وقال أيضاً: (سيد اﻷيام يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة علي)، وذلك لمناسبة السيادتين؛ سيادة يوم الجمعة على سائر اﻷيام، وسيادته صلى الله عليه وسلم على سائر اﻷنام.
والثاني: أن اﻷقدمين لم يذكروه بالسيادة بين يدي ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، ﻷنهم يأتون بما هو أكمل وأفضل وأخص، ألا وهو لقب )النبي) أو (الرسول)، وهذا مما لا يشترك معه فيه أحد، في زمانه أو من بعده؛ من سادات الصحابة أوالتابعين أو أي أحد من الصالحين، بخلاف (سيدنا) فإنه يمكن أن يلقب به كل أحد من الصالحين، فنقول: سيدنا أبوبكر الصديق وسيدنا بلال، وسيدنا مالك بن أنس، وسيدنا الشافعي، من هنا فإنك لا تجد في لفظ السيادة ميزة يتميز بها رسول الله ﷺ عن غيره، – بخلاف صفتي: (النبوة، والرسالة) – في زمانه وبعد وفاته.
هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحابته؛ الغر الميامين، والسادات من التابعين.