المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

ماذا يفعل من وجد الإمام قد جمع بين المغرب والعشاء بسبب المطر؟

السؤال

الجواب

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ: نحن نسكن القرى، وقد أتانا مطرٌ كثير مما جعل إمام الجامع يجمعُ العشاء مع المغرب، وأنا أتيت المسجد متأخرًا، هل أصلي كما صلوا الجماعة، أم أصلي كلَّ صلاةٍ في وقتها؟

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فيجوز الجمع في المسجد بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء مادام المطر كثيرا -وأدناه الذي يبل الثياب- على الصحيح من أقوال أهل العلم لحديث ابن عباس عند مسلم: “جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر”، قال سعيد وهو ابن جبير راويه قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته.

وأصله متفق عليه من حديث ابن عباس، وهو دال على الرخصة في الجمع إذا كانت الجماعة في الوقت تشق على الناس، والمطر الكثير من ذلك، وإليه يشير مفهوم قوله: ولا مطر، فالرخصة في الجمع لأجل المطر مستفادة من طريق العموم المعنوي المنطوي عليه التعليل في قوله: (كي لا يحرج أمته)، وكذلك من طريق مفهوم قوله: (ولا مطر).

ويجوز لك كذلك أن تجمع وإن فاتتك الجماعة الأولى إذا وافقتك جماعة ثانية في المسجد.

أما إذا لم توافقك جماعة وصليت منفردا فالأولى ألا تجمع، بل تصلي المغرب وترجع، فإذا أذن العشاء والحرج موجود فصلِّه حيث كنت، ولو جمعت فنرجو ألا حرج عليك، وهو أحد قولي العلماء، وفيه قوة، إذ الرخص تعم إذا قام مقتضيها، والمطر الذي يبل الثياب علة منضبطة للرخصة، كالسفر للصوم أو القصر أو الجمع على الصحيح، فلو قدر من لا يشق عليه المطر الكثير لكان نزوله رخصة عامة له ولغيره، كما أن من لا يشق عليه السفر تبقى الرخصة عامة في حقه وحق غيره من الضعفاء لأجل السفر، والفقهاء يراعون التعليل بالوصف المنضبط أكثر من الحكمة -التي هي مئنة العلة أو علة كون العلة علة- لعدم انضباطها، فالمرعي في العلة كونها وصفا منضبطا فهذا هو المناسب للتشريع العام، وإن تخلفت الحكمة في جزئية، ولهذا تعلقت الرخصة بالسفر فهو وصف منضبط عرفا، وإن تخلفت المشقة التي صار السفر لأجلها علة، وتعلق الحد بالزنا ولم تُطْرد حكمته التي هي منع اختلاط الأنساب، فلو خلطها بطريق آخر كخلط مواليد لم يثبت عليه حكم الزنا، وكذلك تعلقت المحرمية بالرضاع دون أن يطردوا الحكمة التي يذكرونها في ذلك، من كون جزء الأم صار جزء الرضيع.

وإذا تقرر أن المطر الكثير علة لجواز الجمع، فالأوجَه أن يستوي في رخصته الناس، ولاسيما أن مصالح العامة متعلقة بعضها ببعض، ولهذا نص الحنابلة في المعتمد من المذهب على أن من كان طريقه إلى المسجد تحت ساباط (مسقوفا) فالرخصة تلحقه، وكذلك من صلى في بيته، ومنع ذلك الشافعية في المعتمد عندهم، مراعاة للحكمة.

وبناء على ما تقدم؛ إن كنت جمعت فنرجو أن تجزئك صلاتك، لكن إن أردت الأفضل حال الرخصة فالصلاة على وقتها في محلك.

وننبه في هذا المقام إلى أن هديه صلى الله عليه وسلم المستمر هو الأذان بالصلاة في الرحال أو البيوت عند المطر، وهذا أولى من الجمع في المسجد إذ فيه خلاف، وشرط الوقت أولى بالرعاية من الجماعة فهذه ليست بشرط على الصحيح بينما الوقت هو آكد شروط الصلاة، وصلاتك في بيتك حال كثرة المطر مع ما تقدم أبعد عن الحرج وأنأى بك عن الخلاف، والخلاف إذا كان معتبرا فالحازم العاقل يراعيه احتياطا لدينه. والله أعلم.