المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

ما هي الرحم واجبة الصلة؟

السؤال

الجواب

السؤال :
ما هي الرحم واجبة الصلة؟

الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه”[متفق عليه]، وقال: “إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم؛ أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذاك لك”، والنصوص في صلة الرحم والتحذير من قطعها كثيرة. [أخرجه أحمد]

والرحم هم القرابة، وهم درجات متفاوتة، ويتفاوت الواجب تجاههم من الصلة بحسب ذلك.

وصلة الرحم تعني الوصول إلى القرابة وترك هجرهم، وليس المقصود مطلقَ الوصول، بل المراد وصولا يتضمن إحسانًا، فالزائر المؤذي ليس بواصل صلةً شرعية بل صلة محرمة، فمقصود الصلة هو الإحسان، وللقرابة منه حق كما قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}[النساء: 36]، والإحسان يتفاوت بتفاوت الناس عموما والقرابة خصوصا وذلك بحسب مراتبهم في الحقوق، ويرجع للعرف في تمييز كثير من الإحسان اللائق بالقريب، وهذا هو الأصل في كل ما لم يضبطه الشرع بِحَدٍّ، وقد علم أن الوالد له من الإكرام ماليس لغيره، فالتأفف منه ورفع الصوت عليه ومعاندته بل مخالفته في ما يهوى مما لايضر الابن كل ذلك من قطيعته، وهو خلاف صحبته بالمعروف وصلته بالإحسان اللائق به، والعم له من الصلة والإحسان ما يليق به وهو دون الأب، وابن العم دون ذلك، فليس الإكرام اللائق في عرف الناس بالعم يكون مثله لابن العم، ولا اللائق بابن الأخ كاللائق بابن العم، فقد يكون من الإحسان أمر ابن الأخ ونهيه أو تأديبه، بينما ابن العم يعامل معاملة النظير والكفؤ، والعم يعرف له مكانه، والأب فوق ذلك.

وبالجملة الواجب من الصلة هو الإحسان المفروض للقرابة، وقد فصل الله عز وجل مافرضه علينا، فالوالدان مثلا تدخل في صلتهم الواجبة النفقة -إن احتاجا- كما يجب إكرامهما، وخفض الجناح لهما، وإن أساء أحدهما، ومن صلة الأبناء الواجبة: النفقة، وحسن التربية، والعدل في العطية.

ثم ما زاد عما فرض الله فهو ندب، ومن ذلك الصدقة على الفقير من الأقارب ممن لا تجب نفقته، والهدية لغنيهم، ومن الصلة زيارة القريب إذا كان يأنس بذلك من غير أن يشق عليه، ومن ذلك عيادة المريض والدعاء له والسعي في أسباب شفائه، ومن صلة الرحم الدعاء لعموم الأقارب بما فيه صلاح دينهم ودنياهم فكل ذلك من الإحسان الذي هو مقصود الصلة.

والمهم أن يعلم أن الواجب من ذلك ما أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن للقريب شيء في كتاب الله فالمهم ألا يكون ثمة هجر له، ولا قطيعة معه، إلا لمقتضٍ شرعي أو عذرٍ معتبر.

فمن سلم من هذا فقد أدى الواجب في جملة القرابة، عدى من فرض الله لهم حقوقا.

غير أن الرجل الصالح ينبغي أن يكون سباقا في الخيرات، مبادرا للإحسان، وليس ثمة أولى بذلك من قرابته، فمن الحق الدارج قولهم: الأقربون أولى بالمعروف، وأدلة الشريعة تشهد لهذا المعنى، قال تعالى: (قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة: 215]، وفي الصحيح قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة؟

قال صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك.

وتقدم أول الجواب قوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى}[النساء:36].

جعلني الله وإياك من القائلين للناس حسنى، المحسنين في سائر شأنهم، الواصلين لقراباتهم، والحمد لله أولا وأخيرا، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا.

أجاب عن الفتوى: الشيخ إبراهيم الأزرق عن مركز الفتوى بشبكة الهداية الإسلامية