السؤال :
مسألة اختلاف المطالع، أو توحيد المطالع، ما هو الراجح فيها؟
الجواب :
اختلف العلماء فيها إلى قولين، القول باعتبار اختلاف المطالع، وعدم اعتبارها، والراجح اعتبار اختلاف المطالع، وهو قول الشافعية، واحتجوا لذلك بعدة أدلة، منها:
1- الحديث: الذي أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في [صحيحه]: عن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمتُ الشام فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، ثم ذكر الهلال، فقال: (متى رأيتم الهلال؟) فقلت: (رأيناه ليلة الجمعة). فقال: (أنت رأيته؟) فقلت: (نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية). فقال: (لكنّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه). فقلت: (أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟) فقال: (لا. هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).
2- قياس اختلاف مطالع القمر على اختلاف مطالع الشمس في اختلاف مواقيت الصلاة.
3- اختلاف مطالع الأهلة أمر معلوم بضرورة الحس والعقل، لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين، وإنما الخلاف في اعتبارها، ولما كان وجوب الصيام منوطا بالهلال، وبدء الشهر يختلف باختلاف البلاد وتباعدها، فيقتضي ذلك اختلاف حكم بدء الصوم تبعاً لاختلاف البلدان.
والصحيح أن اختلافهم في غير ما تباعدت أقطاره، أما ما تباعدت فقد أجمعوا على اعتبار اختلاف المطالع.
والمعتمد في صيام الناس ما عليه أهل البلد المجتمعون، لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم (الفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ) رواه الترمذي وحسنه، والبيهقي. ولما أورده عبد الرزاق في مصنفه عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: رَأَيْتُ هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلْ رَآهُ مَعَكَ آخَرُ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَكَيْفَ صَنَعْتَ؟» قَالَ: صُمْتُ بِصِيَامِ النَّاسِ، فَقَالَ عُمَرُ: «يَا لَكَ فِقْهًا».
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- في [الاستذكار]: (أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان، وكذلك كل بلد له رؤيته إلا ما كان كالمصر الكبير، وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين)، وقال ابن رشد -رحمه الله- في [بداية المجتهد]: (أجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز). والله أعلم.