هل مسألة الوضوء من ماء البحر خلافية؟
س: السلام عليكم ورحمة الله، أنا أتوضأ وأغتسل من ماء البحر دون حرج، حتى بلغني أن مسألة الوضوء من ماء البحر خلافية بين العلماء، وليست من مسائل الإجماع، فصرت في ريبة مما كنت اعتاده، فأسألُ: مَن مِن العلماء منع ذلك؟ وما دليله؟ وما القول الراجح فيها؟ وجزاكم الله خيراً.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله.
مسألة التطهر بماء البحر مسألة مجمع عليها، وليست من مسائل الخلاف.
ومن منع من الوضوء بماء البحر صحابيان، عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عن الجميع-.
وليس كل مسألة فيها قول أو قولان مخالفان لما عليه الآخرون تكون خلافية، بل إذا كان ضعف مأخذ القول المخالف ظاهر وواضح لخلوه من الدليل، أو لمخالفته لإجماع سبقه، ونحو ذلك = تظل المسألة من مسائل الإجماع، ولا يضرها الخلاف المذكور فيها.
وهذه نكتة غابت عن بعض العلماء، فيستغربون حكاية الإجماع مع وجود الخلاف، ويحسبون أن حاكي الإجماع يقصد قول الجمهور، وليس كذلك. وإنما ذلك من باب الخلافات الشاذة التي لا تضر في حكاية الإجماع، وإنما التي تضر هو تلك الخلافات التي لها وجه من النظر. كمخالفة ابن عباس -رضي الله عنهما- في مسألة العول مثلاً التي خالف فيها جماهير الصحابة، ومع ذلك فهي مسألة خلافية غير مجمع عليها لمخالفة ابن عباس فيها.
كتاب [نوادر الفقهاء] كتبه مصنفه الإمام محمد بن الحسن التميمي الجوهري (ت: 350هـ) لهذا الغرض، فقال: (فلنصف الآن من مسائل الفقه ما وضل إلينا -وقدرنا عليه- من الأقوال النادرة عن الإجماع خلافها، ليكون من علمهُ على حقيقة من أمره، وهداية في حكمه، وليهلك من هلك عن بينه، ويحيى من حيّ عن بينة).
وسبب ضعف مأخذ الصحابيين الجليلين خلو قولهما من الدليل، وأيضاً لصراحة الدليل بجواز التطهر بماء البحر، ويغلب الظن عدم وصول الحديث لهما، لعدم ارتباطهم بالبحر في بيئتهم. وقد قال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عند منعه بالوضوء بماء البحر: (إن تحت البحر ناراً، ثم ماءً، ثم ناراً، حتى عدّ سبعة أبحر)، فلو كان عنده حديث مرفوع لذكره ولم يكتفِ بهذا التعليل، ثم أن أبا عبيد روى عن عبد الله بن عمرو طهورية ماء البحر، فيكون له روايتان في المسألة، وكل ذلك يدلل على ضعف المأخذ، والله تعالى أعلم.
هذا وقد حكى ابن جزي المالكي الإجماع في المسألة، رغم علمه بقول الصحابيين الجليلين، في [القوانين الفقهية].
وقال ابن عبد البر في [التمهيد]: (أجمع جمهور العلماء، وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء، أن البحر طهور ماؤه، وأن الوضوء جائز به، إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر، ولم يتابعهما أحدٌ من فقهاء الأمصار على ذلك، ولا عرج عليه، ولا التفت إليه).
وقال في [الاستذكار]: (وهذا إجماع من علماء الأمصار الذين تدور عليهم وعلى أتباعهم الفتوى).
هذا، والله تعالى أعلم.