المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

تسريب الامتحانات ليس في الأمر عجب في جمادى أو رجب

تسريب الامتحانات ليس في الأمر عجب في جمادى أو رجب

عندما لقي جون قرنق مصرعه عام 2005م ضجت بذلك الإذاعات والقنوات العالمية ومحطات التلفزة الأرضية وامتلأت الأسافير ولم تتحرك الجهات الرسمية هنا لبيان ذلك الموقف واجلاء الغموض واكتفت بالصمت المطبق وكان تلفزيون السودان آخر وسيلة نقل لتلك الأحداث بعد أن غدت حكماً واقعاً وكان بيانه لا يعدو في أفضل أحواله تحصيل حاصل ونتج عنها ما عرف بالاثنين الأسود 

نحن الآن أمام حدث مماثل 2018م فقد كثر اللغط منذ بدء امتحانات الشهادة السودانية هذا العام وكثر وتواتر خلال اليومين الماضيين وضجت صناديق البريد في فايسبوك وواتساب وتليقرام بالامتحانات وثبت تسرب مادة الكيمياء – ذلك ما أقرت به وزارة التربية والتعليم – في بيان هزيل تجاوزه الناس فقد وصلني امتحان الكيمياء مجاناً دون أن اطلبه محلولاً قبل صلاة الفجر يوم الامتحان وجاء البيان الرسمي متأخراً كنبات صيف في ارض غير مروية جدب مطرها لا يصدق في بيان الوزارة إلا ما قاله الإمام أبو الفضل الميداني في مجمع أمثاله

تسألني أمُّ الوليد جَمَلاَ * يَمْشِي رُويدْاً وَيَكُونُ أوَّلاَ 

نفت الوزارة ذلك التسريب أكثر من مرة ومضت في ذلك حتى وجدت الوزارة نفسها في موقف المتفرج النافي للحقائق عادت عبر بوابة الظل والمتغير ” التابع ” غير المستقل وهي صانعة الحدث ومبتدأه ومنتهاه ولما لم تجد بداً من ذلك أعلنت ذلك على الملأ في بيانها وأقرت ثم أهابت الوزارة الأسر بعدم الالتفات للشائعات وليتها علمت ان أخصب تربة للشائعات تحت قدميها رضيت ذلك أم أكرهت على رضاه 

لو أن ذلك حدث في ثمانينات القرن المنصرم لكان بيان النفي فيصلاً ولوحدث في التسعينات فإن اعتقال الصحفي الناشر لهذا الخبر أمراً كافياً 

ولكننا اليوم في عصر الانفجار المعرفي والتدفق المعلوماتي الضحم فالوسائط جوعى لكل خبر وبيان ومالم يتم تغذيتها بالحقائق ولو كانت مرة وتنظيف مواطن الخلل بالضماد الحار خير من مواجهة بتر العضو المتعفن*

تسريب امتحانات الشهادة السودانية كما قال الأستاذ زهير هاشم طه – الإعلامي والمعلم بالمرحلة الثانوية إنه ثبت بالتواتر، والوثائق والمستندات ،وباعتراف وزارة التربية ،والاعتراف سيد الادلة ولكن الذي تسرب ليس  هو امتحان الكيمياء فحسب بل معظم الامتحانات تقريباً، ولايتوجب علي وزارة التربية إعادة امتحانات هذا العام فحسب بل إعادة النظر في نظام الامتحانات باكملها فنظام حفظ الامتحانات المتوارث منذ الخمسينات لايصلح لعصر الهواتف الذكية والفيس بوك والواتساب. خاصة في زمن أصبح فيه المعلم الذي يضع الامتحان ويراقبه والخفير والشرطي الذي يحرسه ويؤمنه والسائق الذي ينقله في عداد مستحقي الزكاة

وأضاف لئن عصمت البعض ضمائرهم وبقيت حية في سوق الموت الذي يبدأ بطبق الفول والكسرة ولاينتهي بالبامبرز وحقنة الملاريا  ،فان البعض قد تضعف نفوسهم امام ضغط الحاجة وغفلة الرقيب، ومن يراقب من اذا كان الفساد قد ضرب البلاد من راسها الي اخمص قدميها وليس قطاع التعليم بدعاً من القطاعات التي نما فيها الفساد ،وعشعش وباض وفرخ، ولكن المطلوب الآن أن يغير النظام فإما أن يكون بنظام الامتحان المكشوف وهو نظام معمول به في كل العالم، وفيه يسمح للطالب أن يدخل بكتابه لأن الامتحان يقيس مقدرات الطالب من خلال مهارة الاستنباط والتحليل والنقد وجودة العرض والاحتزال والاطناب وليس من خلال مهارة الحفظ والتلقين ويكون الامتحان اقرب إلى البحث منه الي الامتحان التقليدي ، وهناك نظام اخر يمكن العمل به وهو ان يوضع الامتحان مختاراً من بنك به ألاف الأسئلة الموضوعة سلفاً قبل يوم من ميعادها ، ثم يرسل بالشبكة العنكبوتية للمراكز التي يجب ان تزود بطابعات حديثة لتقوم بطبع الامتحان وتوزيعه فوراً بحيث لاتكون هنالك فرصة لكشفه أصلاً 

وقد تكتنف هذا النظام عقبات مثل انقطاع الكهرباء وزيادة التكلفة في كثير من المراكز البعيدة وفي هذه الحالة يجب ان تزود بمولدات أو أن يجمع طلاب الأرياف بمراكز في المدن الكبرى تزود بسكن داخلي يكفل لهم جواً مهيئاً لأداء الامتحانات،  وفي هذه الحالة فاننا نستخدم التقنية استخداماً إيجابياً لصالح تأمين امتحان الشهادة السودانية وكلنا يعلم ان التقنية سلاح ذو حدين فمن ارادها للتعمير أطاعته ومن أرادها للتدمير أطاعته ” إهـ

على الأسر ألا تستبق وسعها في عدم التشغيب على الطلاب الممتحنين حتى انجلاء غبار الامتحانات والأزمات 

كما أن معركة كبيرة على النشطاء والحقوقيين والإعلاميين اجتيازها في دعم الجهات ذات الصلة ودفعها نحو حوكمة نظام امتحانات الشهادة السودانية وشهادة الأساس بالنظر إلى الأصول التي خلقت مناخاً خصباً لتلك التسريبات بداية بالمنظومة القيمية للعملية التعليمية التي تسقط القيم نحو الدرجات العالية ولو كذباً وتسعى لاثبات نجاح هذا وفشل ذاك بدلاً من صياغة منظومة جديدة تؤسس لنجاح الجميع ولكنها تمنح الأفضلية للمجتهد ويكون الجميع فيها راضياً عن نفسه ومستواه وهو في سن غض من عمره إن لم يحالفه النجاح في الشهادة الثانوية وجده في مكان آخر .

إن كشف الامتحانات أو الحديث عنه بسرور هو خيانة للوطن ولا يعتبر نوعاً من أنواع المعارضة لنظام الحكم كما أن نفي الحقائق ومقاومة الأحداث – أنا كنت هناك ومافي حاجة – واستخدام الكذب لإثبات الولاء للقائد ليس دعماً له بل هو تضليل وتدليس وكلاهما عبث بمستقبل الأجيال القادمة ولذلك يجب على وزير التربية وأركان امتحاناته أن يتقدموا باستقالتهم جراء هذا العجز ويجب على الأجهزة الأمنية كشف من قام بالتسريب وفضحه على الملأ مهما كانت رتبته ومنصبه وتجريم هذا العمل ومحاكمة كل من ثبت تورطه فيه محاكمة ناجزة وإنزال أقسى العقوبات عليه باعتباره مثيراً للحرب ضد الدولة وخائناً للوطن.