المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

دخول الأعمال في مسمى الإيمان

دخول الأعمال في مسمى الإيمان

 

دخول الأعمال في مسمى الإيمان :

الإيمان بالله شعبه متعددة ودروبه كثيرة متنوعة، ينطلق جميعها من الإيمان بالله ثم تتفرع إلى هذه الشعب التي تحث على الخير و تربط المسلمين  برباط قوي من التزود  بالنبع الصافي نبع التوحيد والعقيدة الإسلامية ؛ فيقول الرسول r:(( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قـــول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))[1]، ولذا ذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي[2] وإسحق بن راهويه[3]وسائر أهل الحديث ،وأهل المدينة رحمهم الله ، وأهل الظاهر, وجماعة من المتكلمين إلى أنه : تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الإيمان المطلق مستلزم للأعمال بدليل قولهU :] إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ  [[4] فنفى الإيمان من غير هؤلاء  فمن كان إذا ذكر بالقرآن لا يفعل ما فرضه الله U عليه من السجود لم يكن من المؤمنين ومثل هذه الآية  قــــوله U : ] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [[5]. وقوله عز من قائل } لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه[[6]وقوله سبحانه :] وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون[[7]، وبين سبحانه أن الإيمان له لوازم وله أضداد موجودة ومن أضداده موادة من حاد الله ورسوله ومن هذا الباب قوله r :((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ))[8] وقوله e :(( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ))[9]وأشباه هذا كثير."[10]

  • وما ذكره شيخ الإسلام فيما مضى من نفي الإيمان عمن ترك الأعمال ، ليس على إطلاقه في كل عمل وإنما ذلك يتفاوت بحسب آحاد تلك الأعمال ومنزلتها من أصل الإيمان ، إذ منها الذي إذا زال زال الإيمان كله وقد مثّل الشيخ لذلك بقوله:"فمن كان إذا ذُكِّر بالقرآن لايفعل ما فرضه الله عليه من السجود لم يكن من المؤمنين " واستدل لذلك بقول الله سبحانه:] وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون [11][ وأماحديث:(( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )) وحديث:(( لايؤمن من لايأمن جاره بوائقه)) فإنماهو نفي كمال لا نفي أصل بدلالة قوله r :(( ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)) قلت – أي أبوذرt – :وإن زنى وإن سرق؟ قال :(( وإن زنى وإن سرق )) قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ، قال : (( وإن زنى وإن سرق )) قلت :وإن زنى وإن سرق  ؟ قال : (( وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر)).[12] قال ابن تيمية – رحمه الله- : "ومن هنا تعرف دخول الأعمال في مسمى الإيمان حقيقة لا مجازاً وإن لم يكن من يترك شيئاً من الأعمال كافراً أو خارجاً عن أصل مسمى الإيمان ".[13]

والمقصود أن الإيمان ليس مجرد  تصديق في القلب*، ولا علاقة له بالعمل ، بل لا بد من العمل لتحقيقه  وإظهار تصديقه، ولهذا عد القرآن الكريم بعض هذه الأعمال من صميم الإيمان وأصله ، وبيّن أن الأخوة الإيمانية لا تتأتى إلا بها قال U :} فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ  [[14]. قال الفضيل بن عياض[15]: " ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال "[16] وقال زيد بن أسلم : "لابد لأهل هذا الدين من أربع : "دخول في دعوة الإسلام , ولابد من الإيمان وتصديق بالله وبالمرسلين أولهم وآخرهم ، وبالجنة والنار، وبالبعث بعد الموت ولابد من أن تعمل عملاً تصدق به إيمانك ولابد من أن تعلم علماً تحسن به عملك "[17] ثم قرأ : } وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى[[18].

 

 


[1] )  البخاري  2/ 236 , مسلم  1/259

[2] ) عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي من قبيلة الأوزاع اليمنية. أبو عمرو من تصانيفه: كتاب السنن في الفقه والمسائل في الفقه. توفي سنة 157. الأعلام 4 / 94 . البداية والنهاية 10 / 115 .

[3] ) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي، نسبة إلى مرو. أبو يعقوب. وراهويه لقب أبيه إبراهيم عالم خراسان في عصره، وأحد الأئمة الحفاظتوفي 238، الأعلام 1/284.

[4] ) السجدة : (15 ) .

[5] )  الانفال : (2) .

[6] )  المجادلة : (22 ) .

([7]  المائدة : (81) .

[8] ) متفق عليه ، اللؤلؤ والمرجان : 36.

[9] ) لبخاري(5670)مسلم(46)

[10] ) )(ابن تيمية) أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم "مجموع الفتاوي" جمع وترتيب:عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مكتبة ابن تيمية ، د. ت مج 7/ 160-161.

 

[11] ) المائدة : (81) .

[12] ) اللؤلؤ والمرجان (60)

[13] ) (ابن تيمية) أجمد بن عبد الحليم " اقتضاء الصراط المستقيم " ط/دار المسلم – الرياض – 1/78 .

* كما ذهبت إليه المرجئة !!

 

[14] ) التوبة : 11

[15] ) الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي الخراساني. أبو علي. شيخ الحرم المكي ، توفي 187 ,لأعلام 5/ 360.  البداية والنهاية 10/ 198.

[16] ) (االبغدادي ) الخطيب البغدادي " اقتضاء العلم العمل " دار الكتب العلمية، بيروت ، 1404هـ ، ص: 43

[17]   ) (ابن ابي  شيبة ) "الايمان " منشور ضمن أربع رسائل في " كنوز السنة " ، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني ، الكويت ،1981م ص 45

 [18]) طه :82

 * وهذا مما يدل على فساد ما ذهب إليه من يسمون بالتكفيريين من أهل هذا العصر .