المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

د. محمد عبد الكريم: أمتنا تمتلك مقومات النصر

د. محمد عبد الكريم: أمتنا تمتلك مقومات النصر

دعا د. محمد عبدالكريم إلى التزود من التقوى لأن الموت يأتي فجأة، وذكر أن تقوى الله تعالى تكون بطاعته على نور منه ترجو ثوابه، وأن تترك معصية الله على نور تخاف عقابه.
وقال -في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب يوم الجمعة 23/5/2014م – إن الله أنزل دينه وشرع شرائعه وحد حدوده وبين معالمه لكي يكون ظاهرا مهيمنا على الدين كله على مر الدهور ومر العصور قال الله تعالى: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا»، بالهدى أي العلم النافع ودين الحق بالعمل الصالح. وقال تعالى: «وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ».. وقال عز وجل: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ».
وذكر الخطيب أن قوة هذا الدين من قوة رب العالمين، مسترشدا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يدع الله بيت مدر ولا وبر إلا وأدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل.. عزا يعز به الله الإسلام وأهله.. وذلا يذل به الله الكفر وأهله».
 
أمتنا تمتلك مقومات النصر:
وقال د. عبدالكريم إن أمتنا الميمونة مرت بنكبات وأزمات كثيرة على طول تاريخها، مرورا بأزمة الردة الفاجعة والهجمات المغولية الغاشمة والحروب الصليبية الطاحنة، لكن أمتنا مع ذلك كانت تمتلك مقومات النصر الراسخة من إيمان صادق وثقة مطلقة في الله واعتزاز بهذا الدين، فكتب الله لها جل وعلا النصر والعزة والتمكين.
وأضاف: «لقد أدرك أعداء الدين من خارج أمته وهم الكافرون وأعداؤه الذين هم في عمق دائرته وهم المنافقون أن القضاء على هذا الإسلام غير ممكن ومستحيل، وهما فريقان يتبادلان المؤامرة على الإسلام: الفريق الأول الكافرون بمختلف مللهم ونحلهم من المشركين وكفرة أهل الكتاب. والثاني المنافقون الذين لبسوا لبوس الدين في الظاهر وكادوا له ولأبنائه في الباطن، يقول تعالى عن حرب الكافرين لدين رب العالمين «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» ويقول جلا وعلا: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» ويقول ربنا عن كيد الكفار: « إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا».
 
الكافرون والمنافقون:
وقال إنه مع هذا الكيد من الكافرين فإن الله تعالى يبطل كيدهم ولن يجعل الله للكافرين سبيلا.
وأضاف: أما إخوانهم من المنافقين فقد فضحهم الله في عقائدهم وسلوكياتهم وفي طرائق كيدهم ومكرهم « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ».. وقال جل وعلا: «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ». 
ولفت الخطيب إلى أن الله بين أن أسالبيهم مفضوحة معروفة «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» يمنعون النفقات «لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا» هذه أساليبهم «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
وأكد أن كيد الكافرين في تباب «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا» مشيراً إلى أن هذين هما الفريقان اللذان ذكرهما القرآن، وأمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن يجاهدهما «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» والخطاب للنبي خطاب لنا.
 
يأسوا من هدم الإسلام:
وذكر أن هؤلاء جميعا يأسوا من هدم الإسلام في سنواته الأولى، حين كان يتنزل القرآن منجما، وحين كانت المعجزات النبوية تتنزل عليه تترا، وتتوالى، عند ذلك يأسوا من أن يهدموا هذا الدين، ولكنهم مع ذلك كله علم هؤلاء أن القضاء على الإسلام لا يكون إلا بتأخير نصره وتأخير إعلانه، فعمدوا إلى المكر والدسائس بين أبنائه فلم يقنط الأعداء جميعا في تمييع منهجه وتحريف خطابه وسلخ أبنائه من قيمه ومبادئه، وعلموا أن ذلك لا يتأتى لهم ولا يحصل هذا المكر إلا بأن يقضوا على هذا الدين من خلال البدع والمحدثات.
 
تحريف الدين:
وتساءل فضيلته من الجهة التي يدخلون منها؟ وأجاب: يدخلون علينا من ذات الباب وهو تحريف دين العزيز الوهاب وهو تحريف لا يؤدي إلا إلى تفريط وانسلاخ أو إلى غلو وانفساخ.
وقال إن الحقيقة التي ينبغي أن نعيها أن الأديان والمعتقدات هي التي تحرك المجتمعات وتشكل الدول حتى اليوم، وذلك لأن الدين بطبيعته يدعو إلى تغيير أنماط الحياة السائدة وإصلاح المجتمعات، بيد أن أعداءنا مع بثهم للبدع بيننا في تاريخ الإسلام وجدوا أن هناك عائقا كبيرا يقف حيال تحقيق أهدافهم، وهذا العائق هو منهج الإسلام الصافي الذي ينبع من معين الكتاب والسنة، وهو منهج يدعو إليه العلماء الربانيون الثابتون على الحق بثبات الجبال الرواسي، الذائدون عن دين الله غائلة كل متنطع.
 
أبشع طرق الضلال:
وقال إن من أشنع طرق الغواية وأبشع أساليب الضلالة ما عمد إليه أعداؤنا من توظيف الدين المنحرف ورموزه الشائهة لإحداث البلبلة والفتن بين المسلمين، وهم في ذلك يسيرون مسارين: أولهما تحطيم القدوات في أعين أجيالنا من الفتيان والفتيات وذلك بإقصاء الصادقين من العلماء الربانيين والدعاة الغيورين.
وأضاف: «إنه حين تقوم دولة على الدين ثم تستهين برموزه وعلمائه فذلك مؤذن بزوالها.. إن زوال الدول الإسلامية كثيرا ما يقترن بتراجع اهتمامها بالدين وعلمائها ورموزها، كما حصل في نهاية الدولة العثمانية ومن قبلها المماليك والعكس بالعكس.
 
احترام العلماء:
وأكد أن احترام العلماء والفقهاء الصادقين وتقديمهم واستقلالهم الفكري والمادي هو عنوان ازدهار الممالك الإسلامية وأحد مؤشرات ارتفاع نهضتها وبزوغ دولتها وتلك سنة مضطردة لا تتخلف.
وزاد بالقول: «حين تفاجئنا الأخبار في بلد من بلدان المسلمين أنه تتطاول فيه بعض القنوات على رموز الأمة وكواكبها البراقة وأنجمها الزاهرة، الذين هم ملح البلد وزينتها، فيغرى بهم سفهاء الإعلام من مقدمي برامج مأجورين وكتاب صحافيين لا يكاد بعضهم يحسن الوضوء أو الصلاة».
 
التحريض على العلماء:
وقال إنه يزاد القلق عمقا حين يتجاوز الحد حد التحريض على علماء الأمة ورموزها إلى الشروع في وقف هذا واعتقال ذاك ومصادرة مال آخرين إلى بلوغ المهاجمين حد السباب والشتائم، التي لا تشير إلا إلى تردي الأوضاع الاجتماعية، ويزيد الطين بلة أن يكون المتجاوز فيهم ممن بلغوا من الكبر عتيا، فقضوا أعمارهم وأفنوا سني حياتهم في خدمة هذا الدين ونشره، وتقتضي المروءة أن التعامل مع هؤلاء وإن أخطؤوا أن لا يكون بالإكراه، وبتجاوز الهفوات والهنات، والهجوم عليهم هو بسبب وقوفهم موقف الرجال في زمن عزّت فيه مثل هذه المواقف أو تكلموا بكلمة حق. وتساءل: أوهكذا يكافؤون؟ وهل هذا هو ثمن ما قاموا به من نشر الشريعة وتعليم الدين وتخريج الأجيال من طلاب العلم ودارسيه؟
وقال إن تشويه صورة من عرف فضله وعم خيره من العلماء بإثارة الشبهات وإطلاق الإشاعات أسلوب ماكر قديم، قام به المنافقون حتى في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يخبرنا القرآن في الفاضحة «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ».
وذكر أنه يتتابع الإيذاء ليصلوا إلى كبار الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان ومن معهم في غزوة تبوك فيتناجى. قال تعالى: « يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ».
 
مسجد الضرار:
وقال د. عبدالكريم إن هذا المسار الأول في تحطيم القدوات ماثل أمامنا في التعدي على علماء الإسلام. وذكر أن المسار الثاني في حربهم يتمثل في اتخاذ الصروح الدينية التي يبغون بها العوج في الدين، والبلبلة الفكرية بين أبناء المسلمين، وبين أن الإسلام حذر من مسجد الضرار. وقال إنهم يعمدون إلى المؤسسات الأصيلة لهذا الدين فيبنون مثلها من أجل محاربة المسلمين، حتى يتسنى لهم أن يفرخوا في كل مرتع أقزاما ورعاعا يحملون معاول للهدم باسم الدين وبث الفتن والنعرات ضد علماء الدين والقادة الصالحين، يسمون أنفسهم بالتنويريين والمتنورين وأحيانا بالمصلحين.
 
عيب الإعلام:
وقال إن أهل السوء ممن ينتسبوا إلى العلماء الشرفاء كثيرون في كثير من الأزمان.. وأشار الخطيب إلى عدد من أمثلة المنافقين، ومن بينهم الشعراء، وعاب على الإعلام أنه يبرز المنافقين ويترك الصادقين.
وقال إن من الجناية في حق المسلمين توظيف الدين المنحرف والشبهات والضلالات من أجل رد الناس عن دين الله. مشيراً إلى أن المسلمين يرجعون إلى الله زرافات ووحدانا، ويصلحون من أنفسهم مع ما بهم من التقصير والبعد، ولكن ثمة لصوص يقفون للتائبين في الطريق، يحاولون رد المسلمين عن صفاء الدين ونقائه. ولفت إلى أن الأمة ابتليت بمن ينفخ في جانب الغلو والتطرف، الذي يشوه صورة المسلمين، كما يحدث في بلاد الشام، حيث شوهوا صورة ثورة شعب كامل وذبحوا قادة الثوار.
فضح المنافقين:
وقال إن مجابهة التشويه لدين الله بينه الله وهو يفضح أساليب المنافقين. وقال إن القرآن الكريم أرشدنا إلى استعادة الوعي بالهوية والقضية عبر الصبر والتقوى اللذين يعنيان المزيد من الالتزام الجاد ومقاومة الشبهات والشهوات والتضحية لهذا الدين، ومراجعة أنفسنا، وإقامة الدين في حياتنا وحياة أبنائنا وأجيالنا.
وأشار إلى قول أحد أعداء الله الذي قال: «حاربوا المساجد بالمراقص، والزوجات بالمومسات، وفنون القوة بفنون اللذة والجنس»، ووصفها بأنها بدائل شيطانية لمقابلة صروح الهدى. وشدد على البعد عن المعاصي، ودعا إلى إصلاح مجتمعاتنا وفتح الباب واسعا لكل من كان ذا رأي رشيد لإصلاح المجتمعات، كما دعا إلى تجميع الأمة كلها تحت راية واحدة مع نبذ الخلافات التي تضعف الأمة، وأن نعلي من شأن حرمة المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وأن نعرف لأهل الفضل فضلهم فنشكرهم، وأن نعرف لأهل العلم مكانتهم.
وشدد على ضرورة كشف صروح الضلال، والتجافي عنها، والتحذير منها. مشيراً إلى أن النبي هدم مسجد الضرار ولم يقل إنه مسجد ولا بد أن نستفيد منه، كما دعا إلى لزوم صروح الحق، وتكثير سواد الصالحين.
المصدر: جريدة العرب القطرية