المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الأبناء في مجتمعاتنا: تنشئة مدللة على فراش الكسل..!!

الأبناء في مجتمعاتنا: تنشئة مدللة على فراش الكسل..!!

إذا رأيت رجلاً يمشي مع امرأة، أو شاباً مع شابة، فمن السهل أن تعرف العلاقة بينهما؛ فإذا كان الرجل – أو الشاب – مقطِّبَ الوجه، يتحدث بصوت عال خشن، أو يمشي على بعد مسافة لا تقل عن المتر بينه وبين المرأة – أو الشابة – فاعلم أنه إما زوجها، وإما شقيقها!

وإذا كان الرجل – أو الشاب – وضاح الوجه، باسم الثغر، يتحدث بصوت رقيق هامس، فاعلم أن المرأة – أو الشابة – إما أن تكون خطيبته أو محبوبته، ولو أحسنت الظن بهما لقلت إنهما حديثا عهد بالزواج.

وللأسف الشديد: هذه هي القاعدة العامة في مجتمعنا، إلا من رحم الله، فإنه يشذُّ عن هذه القاعدة!

                                                                                        ****

في أسرنا ينشأ الولد على الكسل والخمول، فلا يغسل ملابسه، ولا ينظف غرفته، ولا يرتب فراشه الذي نام عليه، ويُترك نائماً حتى يصحو بعد أن تشرق الشمس ليجد الإفطار معداً، بينما أخته هي التي تغسل ملابسه، وتنظف غرفته، وتعيد ترتيبها، وتعد له طعامه، وتهيئ له حتى فراشه الذي ينام عليه!

وهذه التنشئة المدللة للولد، والتي تسهم فيها للأسف الأمهات بقدر كبير بأمرهن لبناتهن بخدمة أبنائهن في كل صغيرة وكبيرة، هذه التنشئة هي إحدى الأسباب التي تجعل الابن ينظر إلى أخته أو زوجته نظرة دونية، تجعله يتحدث معها بخشونة، أو يعاملها بجفاء لدرجة أنه يبتعد عنها حتى في مشيه.

كما جاء في مقدمة الموضوع؛ مما يفضي إلى فشل الحياة الزوجية لكثير من هؤلاء الأبناء؛ لأنهم رُبُّوا على أن يُخدموا ويُطاعوا دون نقاش أو تفاهم، وهذا الوضع إن نجح مع الأخت التي تقبله على مضض، فلن ينجح مع الزوجة التي ترفضه في أغلب الأحيان.

                                                                                     ****

إذا أردنا معرفة الأثر السالب لهذه التنشئة الخاطئة على حياة الولد مستقبلاً: لِنَزُرْ غرفة للطلاب في أي داخلية، ونقارنها بغرفة الطالبات، حتماً سنجد الفارق شاسعاً!

إذ أن غرفة الطلاب تسودها الفوضى، ويغيب فيها التناغم؛ فالملابس والأحذية والكتب والصحف مبعثرة في كل مكان، في الأسِرَّة، والنوافذ، وعلى الأرض، أما أرضية الغرفة فجدرانها لا تُنظف إلا لماماً، وتفتقد الفُرُش التي يُنام عليها إلى النظافة والترتيب، بينما تنبعث من الغرفة روائح منفرة!

وعلى النقيض من ذلك غرف الطالبات التي يزينها الترتيب والنظافة والنظام، وتفوح منها الروائح العطرة الطيبة!

وإذا انتقدتَ مجموعة من الشباب يسكنون منزلاً من المنازل أو غرفة من غرف الداخليات على إهمالهم وقلة اكتراثهم بنظافة المنزل وترتيبه، لقالوا لك ببساطة متناهية: (ده بيت عزابة!)، وكأن العزوبية مبرر منطقي لكسلهم وتقصيرهم!

                                                                                 ****

والسؤال المتوقع هنا: لماذا لا يُعوَّد أبناؤنا منذ الصغر على الاعتماد على أنفسهم؛ حتى يشبوا على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم وغيرهم، بعيداً عن الكسل والخمول؛ فما المانع مثلاً في أن يغسل الابن ملابسه، ويرتب غرفته، ويعد طعامه بنفسه.

خاصة إذا جاء متأخراً، بل ما المانع أن يتعلم شيئاً من الطبخ ويساعد أمه أو أخته أحياناً في غسل الأواني؛ حتى إذا سكن ذات يوم وحده أو تزوج لم يشق عليه ذلك؟!

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خير البشر، يعين زوجاته في عمل البيت، فكان في مهنة أهله؛ أي خدمتهم، كما كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله؛ ففي الحديث: (سألتُ عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله، قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة) (رواه البخاري برقم 5692).

وفي رواية للإمام أحمد: (كان ‏يخيط ثوبه ويخصف نعله، قالت: وكان يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن معاملة النساء ويوصي بهن خيراً، حيث قال: (استوصوا بالنساء خيراً) متفق عليه. 

فالأحرى بنا أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ونقتفي أثره، فنعود أبناءنا منذ الصغر على الاعتماد على أنفسهم في أمورهم الخاصة، وأن يساعدوا أمهاتهم وأخواتهم، وزوجاتهم فيما بعد، ويحسنوا التعامل مع النساء بوجه عام؛ فإن هديه عليه الصلاة والسلام هو أكمل هدي، وسنته هي خير السنن.