المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

الدراما التلفزيونية العربية.. المتهم المنسي

الدراما التلفزيونية العربية.. المتهم المنسي

هل منتوج الدراما العربية المتاح حالياً بمختلف مصادره متحدٌ وموجه لإحداث تأثير معين؟ (ما هو وما آثاره؟) هذا هو مبحث هذه المقالة

إذا حصرنا الدراما العربية الأكثر رواجاً وتأثيراً نجدها ذات ثلاثة أقطاب: المصرية والشامية ومؤخراً الخليجية.

و كل منها تمثل نسيج وحدها؛ نسبة لتباين المحيط المحلي لمصدر كل منها.

ولكن يمكن ملاحظة ثلاث تقاطعات تربط بينها وتجعلها تكاد تتناسق وتتكامل نحو هدف وتأثير متقارب، سواءً كان بقصد منها أو بغير، وهي:

أولاً: الترويج (للحرية الفردية) وفقاً للمرجعية الليبرالية، ووصفها للمرجعيات الدينية "بالرجعية والمتخلفة"!.

وعلي هذا الأساس نلاحظ الإصرار علي أزياء بعينها للكادر التمثيلي تقترب من التحرر بدرجات متفاوتة.

كما نلحظ تحريضاً للمتلقي – الشباب والمراهقين خاصة – علي تذويب حدود العلاقات بين الجنسين.

وكذلك المبالغة في تصوير الضوابط المجتمعية علي أنها العدو الرئيس والمعوّق للحب وأحلام الشباب ؛ وبالتالي يجب التمرد عليها.

ثانياً: (التخويف من الإلتزام الديني)، وإظهار شخصياته بثوب التخلف والجمود والمعوقين  لتيار الحياة المنفتحة، كما أنها تعمد إلي مهاجمة التيارات المحسوبة عليه باستمرار. وبهذا الشأن نلاحظ أن مسلسلات تبنى حبكتها خصيصاً لهذا الغرض وأخرى يتم حشوها عمدا في العمل لدرجة يتبين أنها ليست جزءاً أصيلاً منها وإنما مقحم.

وهذه الملاحظة منطبقة أكثر علي الإنتاجين المصري والخليجي وبدرجة أقل في الشامي(السوري خصوصاً).

والسبب هنا أن الأولى تسيطر علي صناعتها مجموعات يسارية وليبرالية تعمل على نشر فكرها، والثانية – الخليجية – متأثرة بالدعاية الأمريكية التي ربطت بين الالتزام الديني والإرهاب.

التقاطع الثالث هو السعي لتحرير المرأة (وفقاً للمفهوم الغربي).

وتبعاً لذلك يتم تكثيف رسائل من شأنها توتير العلاقة مع الرجل إذ تصوّرة بالغاصب المتسلط على حرية حواء، والوائد لأحلامها والعائق في طريق تقدمها، وكأن الطرفين خلقا ليتناحرا لا ليتكاملا!.

كما أن الضوابط المجتمعية التي تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة لم تسلم في دراما النساء أيضاً ويتكثف المحتوى المناهض لها.

 وهذا التيار – تحرير المرأة (وفقاً للمفهوم الغربي)، تتزعمه الدراما الخليجية، والتي تحركهما دواعٍ إصلاحية بحيث تعاني المرأة بالمنطقة كبتاً، ولكنها تبالغ في طرحهما الإصلاحي.

وتساهم فيه الشامية (اللبنانية بالتحديد) عبر دبلجة لمسلسلات تركية منتقاة توافق الغرض، و توجُّه الدراما المصرية في ذلك قديم لا يحتاج لإشارة، غير أنه يشهد اختراقات فردية إيجابية.

وأُشيرُ في هذه الجزئية لملاحظة مهمة، وهي تزايُد مضاعف للإنتاج الدرامي الموجه للمرأة وللفتيات بشكل أخص.

إليكم الإحصائية البسيطة التالية: ففي موسمي (2011- 2012) وحدهما تم بث قرابة (10) مسلسلات تستهدف حواء خصيصاً بالاسم والمحتوي وتحمل الإشارات التي ذهبنا إليها، منها: بنات الثانوية، الجامعة، كيد النساء (جزئين)، كنة الشام وكناين الشامية، بنات العيلة.

وقبلها مسلسل "مطلوب رجال" الذي كان صارخاً بهذا الشأن، هذا غير الكم الهائل من المسلسلات التركية المدبلجة التي تتحد مع سابقتها لتعزز من الأثر.

 الآثار الملاحظة جراء هذا الجهد الدرامي المتناظم أو المتقاطع – بقصد أو بغير قصد – بائنة و ليست محمودة.

فقد صار التديّن فزّاعة تخشاها الناشئة وحواء، والعلاقات بين الجنسين تشهد قفزاً مضطرداً على الحدود والضوابط الاجتماعية، وأصبح غير قليل من شبابنا وشاباتنا يحملون صورة مغلوطة عن الحرية الفردية فيتخطّون تحت ذريعتها مبادئاً وثوابتاً، إضافة إلى مساهمة تلك الدراما في نقل واستحداث سلوكيات غريبة لا تتفق وموروثنا الثقافي والديني، والحب هو الآخر شاهت معانيه وهُتكت أستاره وتدنست طهريته..

وفي أروقة البيوت والحواري والمدارس والجامعات ومحاضر الشرطة ما لا يمكن روايته من المآسي والحوادث.

الدراما العربية لم تعد تحركها النوايا الحسنة وهموم الناس والمجتمع وحسب، بل الصراعات الآيدلوجية والتوجهات السياسية لصناعها في المنطقة. ولم تعد جهوداً مشتتة لا يجمع بينها نسق ولا هدف.

ولم تعد تمولها مؤسسات رجال أعمال دخلهم محدود، وإنما مؤسسات ورائها إمكانات دول، ولكل أجندته.

ولم يعد أثرها علي المتلقي سطحياً، بل تعداه للفكر والسلوك.. وكل ذلك نسبة للإحترافية التي تُحاك بها، ولغياب دورنا الرقابي علي أنفسنا ومن تحتنا، ولغياب بدائل درامية جاذبة وآمنة.

والحل الوحيد الذي نملكه: أن نشاهد بعين النقد ونستبعد النوايا الحسنة عند تلقينا. فكما يقول المثل: "النوايا الحسنة تجلب السوء".