المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

قصص الأطفال بين الرعب والإثارة..!!

قصص الأطفال بين الرعب والإثارة..!!

(الغول)، (البعاتي)، (ود أم بعلو)، (السحّار): أبطال خرافيون لقصص كنا نسمعها من أفواه الحبوبات (الجدّات)، فتبث فينا الأخيلة المخيفة التي ترتعد لها فرائصنا خوفاً ورعباً.

هذه القصص العجيبة، أو (الأحاجي) – كما نسميها – التي كانت تحكيها الحبوبات لنا، فنجتمع حولهن في شغف ولهفة، قد ساهمت كثيراً في تشكيل شخصياتنا في مرحلة الطفولة.

فلا تعجب إن رأيتنا نخاف من الظلام بعد سماعنا لهذه القصص، خاصة وأن الكبار كانوا يخيفوننا بأبطال هذه القصص إن لم ننصاع لأوامرهم، فيقولون: (سأكلم لك البعاتي إذا لم تسمع الكلام) أو (إذا خرجت إلى الشارع ستجد السحَّار في انتظارك)!

وهكذا يخرج هؤلاء الأبطال المرعبون من عالم الخيال والحكايات ليشاركونا في عالم الواقع المعاش؛ إمعاناً في إرهابنا وبث الرعب في قلوبنا!

وحين كبرنا، وجدنا أمامنا قصص الخيال الذي لا يخلو من رعب وإثارة، مثل قصص (المكتبة الخضراء)، فقرأنا عن (الساحرة الشريرة)، و(أليس في بلاد العجائب)، و(عروس البحر)، و(أميرة القصر الذهبي)، و(الحصان الطيار)، وغيرها من القصص الموغلة في الخيال.

ثم انتقلنا إلى مرحلة أخرى تعتمد على الإثارة والحركة، فقرأنا (الشياطين الـ13) و(رجل المستحيل) و(المكتب رقم 19)، وما شابهها من روايات.

وتذكر في هذه المناسبة قصة طريفة كتبها الأستاذ إبراهيم الأزرق بموقع الألوكة تحت عنوان (حتى لا تكون وغداً يوماً ما!).

تحكي عن والد اشترى لابنه جملة من القصص المثيرة ليعوده على القراءة، وحسب تعبير الكاتب فقد فهمتُ أن المعني بعذه القصص سلسلة (رجل المستحيل) التي كان يكتبها منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي د. نبيل فاروق.

حيث يقول الأزرق عن القصص أنها (تتحدث عن مغامرات رجل ذي قدرات خارقة، يعمل في بعض أجهزة المخابرات العربية، له قدرة فائقة على مباغتة أعدائه، وإتيانهم من حيث لا يحتسبون، يحسن المبادرة، سريع الاستجابة، يملك تحريك أطرافه الأربعة في آن واحد أثناء الشجار مع الخصم!).

ثم يروي كيف بدأ الطفل يسلك مسلكاً عدوانياً تجاه إخوته الصغار حتى شكت الأم إلى زوجها سلوك ابنهما، فبحث الوالد عن ابنه، فقيل له إنه في غرفته التي لا يجرؤ أحد على دخولها، فدخل الغرفة، وأخذ يجول بنظره وسط الألعاب المبعثرة، عله يعثر على ابنه!

وفجأة دوَّى صوت ابنه ليقول من ورائه: خلفك أيها الوغد!

علماً بأن (الوغد) أحد أكثر الكلمات المتداولة في روايات (رجل المستحيل) التي ذكرناها!

 مما يدعو للحسرة والأسف أن كثيراً من حكايات الحبوبات والقصص التي اطلع عليها أطفال الأمس والمسلسلات والقصص التي تعرض على أطفال اليوم لا تكاد تخلو من جانبين:

الخيال الخارق الذي يبعث على الخوف والرعب، والإثارة الحركية المدهشة التي تفعل ما لا يمكن فعله على أرض الواقع!

والسؤال الذي يلح في هذا الصدد:

هل أبناؤنا بحاجة إلى مثل هذه القصص المختلقة الضاربة في الخيالية والإثارة، سواء كانت في الكتب والمجلات أو المسلسلات والأفلام؟!

وهل تساعد هذه القصص على بناء شخصية الطفل وتنمية ذكائه على الوجه المطلوب، أم تسهم في عزلته، وتهز ثوابته وقناعاته، وتجعل شخصيته رهينة الخوف، وأسيرة نماذج لأبطال لا يمتون إلى الواقع بصلة؟!

نحن لسنا ضد استخدام الخيال مطلقاً في قصص الأطفال؛ لأن هناك نوعاً من الخيال ينمي ذكاء الطفل، ويوسع دائرة تفكيره، وهو الخيال العلمي الذي يعتمد على حقائق ومعلومات علمية.

أما الخيال الخارق المجافي للواقع، فلا يسهم إلا في أن يعيش الطفل في انفصام وعزلة عن واقعه، وربما أصبح يشكل خطورة على من حوله – على نحو ما قرأنا في قصة إبراهيم الأزرق – .

غير ما يسببه في إضعافه شخصيته بتعرضه للرعب والخوف حين يشاهد أبطالاً خارقين وعوالم مخيفة لا وجود لها في الواقع.

أطفالنا يحتاجون إلى نماذج واقعية وقدوات حقيقية يقتدون بها ويترسمون طريقها، وتاريخنا وواقعنا – بحمد الله – يزخران بالقصص والوقائع المشرفة القوية التي تكفل تربية أبنائنا على مكارم الأخلاق، وعلو الهمة، ورباطة الجأش، لا على القدوات المزيفة، والنماذج المشوهة، والشواهد الكاذبة التي تقدمها كثير من قصص اليوم في غفلة من الأسر والمربين!

والقرآن الكريم حين ساق القصص في سياق الآيات، ذكر بأنها قصص سيقت من أجل العبرة والتفكر من قبل أولي الألباب والعقول.

وأكد في ذات الوقت أنها ليست قصصاً مفتراة مختلقة، فقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة يوسف: الآية 111]، وقال جل من قائل: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة الأعراف: الآية 276].

تراثنا وواقعنا حافلان بقصص الأنبياء والصالحين والقادة والمصلحين الذين يمثلون قمة الكمال البشري في كل مجالات الحياة، فقد بلغوا من كل خلق كريم غايته، ومن كل طبع أصيل ذروته.

ومثَّلت قصصهم أحسن القصص التي تقدِّم أفضل النماذج للبشرية جمعاء؛ فأحرى بأبنائنا أن يحتذوا بهذه القدوات الحقيقية وأن يتمثلوا تجاربهم العملية واقعاً معاشاً في حياتهم.

وعلى رأس هؤلاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [سورة الأحزاب: الآية 21]، وقال عز وجلّ: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ) [سورة الأنعام: الآية 90].