اتصل بي أحدهم وقال لي: أنا الشيخ فلان. فرحبت به، فقال دون مقدمات: لقد رأيتك في المنام. أهه ! عليك أن تقرأ سورة الإخلاص خمس عشرة مرة. ولماذا خمس عشرة مرة تحديداً ؟! فقط اقرأها واتصل بي بعد ذلك؟ هل لديك دليل على هذا العدد ؟ لا، فقط اقرأها واتصل بي. إذا لم يكن لديك […]
اتصل بي أحدهم وقال لي:
أنا الشيخ فلان.
فرحبت به، فقال دون مقدمات:
لقد رأيتك في المنام.
أهه !
عليك أن تقرأ سورة الإخلاص خمس عشرة مرة.
ولماذا خمس عشرة مرة تحديداً ؟!
فقط اقرأها واتصل بي بعد ذلك؟
هل لديك دليل على هذا العدد ؟
لا، فقط اقرأها واتصل بي.
إذا لم يكن لديك دليل، فهذا يعني أن هذا العمل بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كما قال رسول صلى الله عليه وسلم.
انقطع الاتصال ..
سجلت الرقم، وكتبت عليه (الدجال) !
ذكرني ذلك الموقف بموقف مماثل حدث لاثنتين من أقربائي، ولكن نتيجته كانت مختلفة، إذ ادعى أحدهم أنه تلميذ لأحد المشايخ المعروفين، وذكر أنه رأى إحداهما في المنام، وطلب منها تحويل قيمة مبلغ مالي في جواله، ومن ثم عليها فقط فتح دولاب الملابس، وحينها ستجد ما يسرها !
وهكذا أخبرتْ قريبتها في سرور بذاك الاتصال الذي سيجلب لهما الخير، واتفقتا على تحويل قيمة المبلغ المطلوب إلى جوال ذلك الرجل.
وبالفعل حولت الفتاتان المبلغ وانتظرتا النتيجة والآمال تتقاذفهما بحياة هانئة وعيش رغيد !
ومن ثم سارعت كلتاهما لفتح الدولاب وإلقاء نظرة ملؤها اللهفة عليه، فلم تجدا شيئاً جديداً يذكر مما وعد به ذلك الرجل! فانتظرتا لعل البشرى تتأخر قليلاً، ولكن طال انتظارهما، لتدركا أخيراً أنهما وقعتا فريسة سهلة لأحد الدجاجلة المحترفين، بالرغم من كونهما خريجتين لجامعتين عريقتين! و(القلم ما بزيل بَلَمْ) كما يقولون !
وذكرتُ أيضاً أن أحدهم كان يوزع ورقة يدَّعي شخص فيها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره بأن يخبر بذلك كل من وجده، ويطلب منه أن ينسخ هذه الورقة عشر نسخ، فمن فعل ذلك وجد ما يسره، ومن امتنع فسيصيبه مرض خطير! فطويت الورقة ولم أكترث بما فيها، وأخبرت من كان يقف بجواري أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون دجلاً وهرطقة !
وتحمل الصحف أنباءً عن ظهور طفل صغير رأى رؤيا منامية، تخبره بأن بإمكانه مداواة جميع الأمراض، فصدقه الناس، وذاع صيته بينهم، وحسبوه من الأولياء الصالحين، فأخذ المرضى يتدافعون إلى منزله من كل حدب وصوب، حتى خُصِّصَت مواصلات تنقل القادمين إليه من جميع أصقاع البلاد !
وأخذ الناس يزورونه، ويطلبون العلاج عنده، فطفق يصف الأدوية كما يحلو له؛ ليصاب البعض بمضاعفات، ويكاد البعض يفقد حياته، فانفض الناس عنه، حين أن أدركوا – بعد فوات الأوان – أن لا علاقة له بالولاية الصالحة، ولا بالطب !
هذه الحوادث المتكررة أثبتت لي كيف أن الدجل والشعوذة يجدان موطئ قدم راسخة في مجتمع تسود فيه الخزعبلات، ويتلقى دينه الذي أكمل النبي صلى الله عليه وسلم رسالته، يتلقاه من الرؤى المنامية والبدع والافتراءات، ويكفي كما قال الشيخ محمد سيد حاج – رحمه الله – أن يخرج (دجيجيل) – وليس دجالاً – فيتبعه الناس !
إن هؤلاء الدجالين والمشعوذين ما كان لهم أن يعيثوا فساداً في مجتمعنا لو لم يجدوا من يشجعهم، وما كان لهم أن يتمادوا في غيهم لو لم يجدوا من تنطلي عليه حيلهم من البسطاء والسذج، لو لم يجدوا المجتمع جاهلاً بعقيدته وأبجديات دينه التي تؤكد أن الوحي توقف بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الرؤى المنامية لا يمكن أن تشكل تشريعاً لدين اكتملت أركانه ودعائمه.
إن الفرد الموحِّد لله تعالى الذي لا يتوكل، ولا يخشى، ولا يخشع، ولا يستغيث، ولا ينادي، ولا يدعو إلا الله جل وعلا، لا تنطلي عليه مثل هذه الحيل الواهية، أما المجتمع الذي لا يعرف دينه ويجهل عقيدته القائمة على إفراد الله عز وجل بالعبودية وإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع، فإنه – وإن نال أرفع الدرجات العلمية وحصل على أعلى الشهادات الأكاديمية – يصدِّق كل ما يُقال له في أمر الدين، ويخاف من كل شيء، حتى من ظله !
ختاماً، نأمل من الدعاة والمصلحين أن يكثفوا جهودهم في نشر العلم الشرعي، وتصحيح العقيدة، وتوعية الناس بأمور دينهم، وتحذيرهم من الدجل والشعوذة، كما نرجو من الجهات المسؤولة حماية المجتمع من أمثال هؤلاء الدجاجلة، وتوقيع أقصى العقوبات عليهم؛ حتى يُزجروا عن استغلال البسطاء وابتزازهم، ويكونوا عبرة لغيرهم من ضعفاء النفوس.