المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

مصفوفتان

مصفوفتان

كتبت في الأسبوع الماضي عن مصفوفة النظرية والتطبيق والنتائج والأسباب .. والآن نربط هذه المصفوفة الرباعية بالمصفوفة "التساعية" .. مصفوفة الإتفاق السوداني/السوداني ومع أنّ المصفوفة الأولى تتسِم بقدر كبير من الوضوح والجلاء ، والترابط بين أفرادها معلوم ومحسوب ومحدد ..

إلاّ أنّ المصفوفة الثانية تتسِم بقدرٍ مزهلٍ من الغموض والخفاء إلى درجة أن أفراد المصفوفة التسعة لا يكاد يحصل حولها الإجماع .. والأكثر غموضاً بعد كل ذلك هو العلاقة التي تربط بين أفراد المصفوفة ..

وحتى لا يكون حديثنا كله رطانة في رطانة ينبغي أن نبدأ أولاً بالرطانة ثم نتحول إلى لغة الضاد ..

ونفصح عن معنى المصفوفة .. المصفوفة هي Matrix وتجمع على Matrices أو Matrixes .. والمصفوفة هي مجموعة من الأعداد أو الأرقام أو الرموز أو الكميات أو الأحداث مرتبطة بطريقة محددة ومعلومة ومضبوطة بعلاقات ودلالات مفيدة ومقيدة ..

وبحسب الاشتقاق من مفردة صف يعلم أن هناك نوعاً من الترتيب أو النظام هو سر وجود أفراد المنظومة أو المصفوفة في المواقع التي هي فيها ..

ولكن يبدو – والله أعلم – أنّ مصفوفة التسعة بنود إنما سميت مصفوفة تجاوزاً أو محاولة لإيهام المواطن والمراقب أنّ بين هذه البنود التسعة علاقة وطيدة وقوية ومضبوطة ومحسوبة ..

ولكن وللأسف الشديد فإنّ المعرفة بهذه البنود التسعة لا تزيد على أن تكون ضرباً من الكهانة أو الرجم بالغيب .. وأخطر من ذلك كله معرفة الرابط أو الحاكم بين أفراد المصفوفة ..

وأفراد المصفوفة قد تكون أبيي .. والحدود .. والنفط .. والتجارة المشتركة .. والفرقتان التاسعة والعاشرة .. وربما قطاع الشمال .. والحريات الأربع .. وجائز أن ينضم إلى ذلك الانبطاح والدغمسة .. والدستور .. وقد يكون حاضراً في أذهان الجانب السوداني .. التشبث بالكرسي .. وملف الفساد .. وحركاتك التمرد في دارفور .. والمحكمة الجنائية ..

وواضح جداً وجلي جداً أنّ محاولتك إيجاد رابط بين هذه البنود لتكون مصفوفة هو تماماً مثل اجتهادك في معرفة القاعدة التي قسم بها إسماعيل الخضري الدجاجات الخمس بينه وبين أفراد الأسرة التي استضافته ..

القسمة الأولى كانت هكذا .. الأب والأم ودجاجة .. ثلاثة ، والبنتان ودجاجة .. ثلاثة ، والولدان ودجاجة .. ثلاثة ، وإسماعيل الخضري ودجاجتان .. ثلاثة

ولما اعترض أفراد الأسرة على القسمة الفردية تحول إسماعيل للقسمة الزوجية فكانت هكذا ..

الأب والأم وأحد الأبناء دجاجة .. أربعة ، والبنتان والابن الآخر ودجاجة .. أربعة ، وإسماعيل وثلاثة دجاجات .. أربعة ، وأقسم إسماعيل بعدها ألاّ يغير هذه القسمة !!

وواضح جداً وجلي جداً أن حالة السودان تتفوّق في البؤس والظلم حالة تلك الأسرة التي كانت هي المالكة للدجاجات الخمس وكان الخضري ضيفاً عليها .. ولكنه خرج بنصيب الأسد ..

فتصوروا بالله عليكم نصيب السودان في قسمة أبيي .. وقسمة النفط .. وقسمة الحدود والميل 14 والمنطقة المنزوعة السلاح .. وقطاع الشمال .. ولا تنسَ الحريات الأربع التي ليس للسودان فيها حظ ولا نصيب !! وهل يرغب أحدكم فعلاً في العمل في الجنوب .. أو التملك فيه .. والتنقل فيه .. إنّ الحرية الوحيدة التي يمكن أن يتمتع بها السوداني في الجنوب هي حرية الموت ، والسجن ، والذل ، ونهب الأموال ..

والصحف حافلة بأخبار القتل ، والحرق ، والسجن فليختر من شاء الطريقة التي يريد أن يموت بها والطريقة التي يريد أن نسلب بها أمواله ..

إنّ من أراد أن يطلق عليه "محب الجنوب" Rhilo-South فليذهب ليقضي نحبه هناك وحقاً لن يأتيه "الفرج" من أهل الجنوب ولا من أهل السودان ..

وبالطبع لم أذكر في أفراد المصفوفة النيل الأرزق .. ولا جنوب كردفان .. ولا دارفور .. ربما كانوا فيها وربما لم يكونوا .. ولعلكم تلاحظون أنّ أفراد المصفوفة جُلّهم أفراد شماليون .. أبيي .. والحريات الأربع .. وقطاع الشمال .. والنيل الأزرق .. وجنوب كردفان .. والفرقتان .. ودارفور .. والنفط .. والحدود .. والدغمسة والانبطاح .. وتجارة الحدود ..

إنّ الأفراد المشتركة هي فقط الفساد .. والتشبث بالكرسي .. إنّ القسمة والمقاسم لا تقع إلاّ فيما نملك .. ألاّ تجعل هذه القسمة من إسماعيل الخضري رجلاً عادلاً .. وقارنوا تلك الأسرة بالإنقاذ .. متى تستطيع الإنقاذ أن تقول لا ؟ متى .. متى ..؟!