المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

التعريف بـعلم علل الحديث (1)

التعريف بـعلم علل الحديث (1)

التعريف بـعلم علل الحديث (1) 

تعريف العلة، لغة واصطلاحاً، والعلاقة بينهما، ومسألة القياس في الحديث الذي طرأت عليه العلة 

 

التعريف بعلم علل الحديث

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: 

فإن علوم السنة النبوية من أجل العلوم قدراً، وأعظمها شرفاً وذكراً، وأكثرها ثواباً وأجراً. وأجل علومها فائدة ونفعاً علم (علل الحديث)، لأن من شروط صحة الحديث انتفاء علله القادحة فيه. قال الخطيب البغدادي: (معرفة علل الحديث أجلّ أنواع علم الحديث). ولأهمية هذا العلم وعظيم فائدته فقد أحببت التعريف به، وسيشمل التعريف بهذا العلم على جل مباحثه، ومعظم مسائله، إن شاء الله تعالى. أسأل الله أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتنا أجمعين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

 

تعريف العلة

* تعريف العلة في اللغة

ذكر أهل اللغة في كتبهم معنى العلة، وجلهم يذكر أنها بمعنى المرض. لكن وجدت أشمل من ذكر معانيها وأوضح مبانيها هو ابن فارس في كتابه [معجم مقاييس اللغة]، فإنه قال: (عل: العين واللام أصول ثلاثة صحيحة: 

– أحدها: تكرار أو تكرير. 

– والثاني: عائق يعوق. 

– والثالث: ضعف في الشيء. 

(فالأول): العلل هو الشربة الثانية، ويقال: ’علل بعد نهل‘، ويقال: ’أعل القوم‘ إذا شربت إبلهم عللاً، قال ابن الأعرابي في المثل: (’ما زيارتك إيانا إلا على سوم عالة‘، أي: مثل الإبل التي تعل، وإنما قيل هذا لأنها إذا كرر عليها الشرب كان أقل لشربها الثاني). 

(والثاني): العائق يعوق، قال الخليلي: (العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه، ويقال: ’اعتله عن كذا‘ أي: إعتاقه، قال فاعتله الدهر وللدهر علل). 

(والثالث): العلة المرض، وصاحبها معتل، قال ابن الأعرابي: (علّ المريض: يعل فهو عليل)). 

* تعريف العلة في اصطلاح المحدثين

تبين لي من خلال النظر في كتب العلل واستعمال الأئمة لها وتعاريفهم إياها أن مصطلح العلة يُستعمل عندهم باستعمالين: عام وخاص. 

1- العلة بالمعنى الخاص

فأما العلة بمعناها الخاص فهي: (سبب خفي يقدح في صحة الحديث).

وأول من وجدته قد أبان عن هذا المعنى بوضوح هو أبو عبد الله الحاكم، حيث قال في [معرفة علوم الحديث] -في النوع السابع والعشرين منه-: (وإنما يُعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير معلولاً). وهذا هو معنى قول عبدالرحمن بن مهدي: (لئن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أكتب عشرين حديثاً ليس عندي).

ثم جاء بعده ابنُ الصلاح -وقد حررَّ كلامَ الحاكم السابق- فقال في [مقدمته]: (وهي -أي العلة- عبارة عن: (أسباب خفية غامضة قادحة فيه)، فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها).

قال ابن حجر: (فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع -مثلاً- معلولاً، ولا الحديث الذي راويه مجهول أو مضعف معلولاً، وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك. وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود). وقال ابن حجر -أيضاً-: (وقد أفرط بعض المتأخرين فجعل الانقطاع قيداً في تعريف المعلول، فقرأت في [المقنع] للشيخ سراج الدين ابن الملقن قال: (ذكر ابن حبيش في كتاب [علوم الحديث] أن المعلول: (أن يروي عمن لم يجتمع به، كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه، أو تختلف جهتهما، كأن يروي الخراساني مثلاً عن المغربي، ولا يُنقل أن أحدهما رحل عن بلده)). قلت –أي: ابن حجر-: وهو تعريف ظاهر الفساد، لأن هذا لا خفاء فيه، وهو بتعريف مدرك السقوط في الإسناد أولى).

وكل من جاء بعد ابن الصلاح -ممن عرف الحديث المعلول- هو على ما قاله ابن الصلاح، وعندهم أن الحديث المعلول يُشترط فيه شرطين:

1- الأول: أن تكون العلة في الحديث خفية غامضة.

2- الثاني: أن تكون العلة قادحة في صحة الحديث.

ولذا قال الذهبي في [الموقظة]: (فإن كانت العلة غير مؤثرة، بأن يرويه الثبت على وجه، ويخالفه واه، فليس بمعلول. وقد ساق الدارقطني كثيراً من هذا النمط في كتاب [العلل] فلم يصب، لأن الحكم للثبت).

وقال ابن حجر معقباً على تعريف ابن الصلاح للحديث المعلول: (وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود).

قلت: ولاشك في خطأ قصر تعريف الحديث المعلول على ما ذكره ابن الصلاح، لأنني وجدت الأئمة المتقدمين قد أطلقوا العلة بمعنى أعم مما سبق -كما سيأتي-، وقد اقرّ بهذا ابن الصلاح كما سنورد كلامه بعد قليل. وإنما أراد الحاكم في تعريفه للحديث المعلول بيان أدق صوره وأغمض أنواعه -وعلى هذا المعنى وردت عبارات للأئمة ذكروا فيها صعوبة هذا العلم وغموضه ودقته- ولذلك أورد الحاكم بعد تعريفه السابق قول عبدالرحمن بن مهدي: (لئن أعرف علة حديث عندي أحب إلي من أكتب عشرين حديثاً ليس عندي).

2- العلة بالمعنى العام:

والناظر في كلام أئمة الحديث -والمتقدمين منهم خاصة- يجدهم يطلقون العلة في الحديث بمعنى أعم مما تقدم، فالعلة عندهم هي: (كل سبب يقدح في صحة الحديث، سواءً كان غامضاً أو ظاهراً، وكل اختلاف في الحديث، سواء كان قادحاً أو غير قادح).

قال ابن الصلاح بعد أن عرف العلة بالمعنى الخاص: (ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل. ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح. وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث. ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، حتى قال: ’من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول‘!، كما قال بعضهم: ’من الصحيح ما هو صحيح شاذ‘!. والله أعلم).

قال ابن حجر متعقباً كلام ابن الصلاح السابق: (مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول قد يقع في كلامهم ما يخالفه، وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا أُطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولاً اصطلاحاً. إذ المعلول ما علته قادحة خفية، والعلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة، خفية أو واضحة. ولهذا قال الحاكم: (وإنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل).

قلت: وقول ابن حجر: (أن اسم العلة إذا أُطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولاً اصطلاحاً) بعيد، وإلا فماذا يسمى حينئذ؟! وكلام ابن الصلاح صحيح، والأمثلة كثيرة جداً على ما ذكره ابن الصلاح من وجود أنواع من الجرح في كتب العلل. وقد يذكرون الحديث في كتب العلل لا لوجود جرح في أحد رواتها! وإنما من أجل عدم سماع راو من آخر، كما في [علل ابن أبي حاتم: (138)]. بل وجدت ابن أبي حاتم أورد في كتابه [العلل] أحاديث لأغراض أخرى! فأورد أحاديث من أجل الاستفهام عن أحد الرواة الواردين في الإسناد من هو؟!: (295، 660، 693، 1108 وغيره). أو للسؤال عن نسب راو: (1718، 2593). أو لأجل تعيين مبهم: (2740). بل أعجب من هذا إدخاله حديثاً من أجل ما أشكل فيه من جهة العقيدة وما المراد به!: (2118). أو لأجل استنباط حكم فقهي قد يكون غريباً: (1217)!!

ولذا قال الصنعاني بعد أن ذكر تعريف ابن الصلاح: (وكأن هذا تعريف أغلبي للعلة، وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة، ويعلون بما لا يؤثر في صحة الحديث).

وقد حاول السخاوي أن يخرج وجود العلل التي ليست بخفية في كتب العلل فقال: (ولكن ذلك منهم -أي من أصحاب كتب العلل الذين يذكرون ما ليس بخفي- بالنسبة للذي قبله قليل، على أنه يُحتمل أيضاً أن التعليل بذلك من الخفي، لخفاء وجود طريق آخر ينجبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلل أشار إلى تفرده).

فائدتان:

1- الفائدة الأولى: في قول ابن الصلاح: (وسمى الترمذي النسخ علة).

قلت: وقد أخذه ابن الصلاح من قول الترمذي في [علله الصغير]: (جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به ما خلا حديثين، وقد بينا (علة) الحديثين جميعاً في الكتاب).

قال ابن رجب في شرحه لهذه الجملة: (فإنما بين ما قد يُستدل به للنسخ لا أنه بين ضعف إسنادهما). وقال الزركشي: (لعل الترمذي يريد أنه علة في العمل بالحديث، لا أنه علة في صحته، لاشتمال الصحيح على أحاديث منسوخة، ولا ينبغي أن يجري مثل ذلك في التخصيص). وقال ابن حجر: (مراد الترمذي أن الحديث المنسوخ مع صحته إسناداً ومتناً طرأ عليه ما أوجب عدم العمل به وهو الناسخ، ولا يلزم من ذلك أن يسمى المنسوخ معلولاً اصطلاحاً كما قررته).

قلت: وقد تقدم ما في كلام ابن حجر من نظر في حصره للحديث المعلول بما وقعت فيه العلة على اصطلاح المتأخرين. وفي كلام ابن الصلاح السابق ما يشير إلى تفرد الترمذي بتسمية النسخ علة، وليس الأمر كذلك! فقد وجدت ابن أبي حاتم أورد في كتابه [العلل] حديثين ليس فيهما علة سوى النسخ! وانظر: (رقم 114، 246).

2- الفائدة الثانية: أفرد المتأخرون ممن كتبوا في علوم الحديث أبواباً ومصطلحات حديثية، وهي في حقيقة الأمر داخلة في العلل، كالاختلاف في الوصل والإرسال، والرفع والوقف، والمقلوب والمدرج والمضطرب، وزيادة الثقة والشاذ.

 

علاقة المعنى اللغوي بالمعنى الاصطلاحي:

هناك علاقة بين المعنيين تظهر لنا فيما يلي:

– فعلاقة المعنى الاصطلاحي بالمعنى اللغوي الأول وهو (التكرار) ظاهرة، لأن الحديث المعلول لا يتبين فيه سبب الضعف إلا بعد تكرار النظر فيه، لأنه -كما سبق- فيه خفاء، ولذا لا بد من تكرار النظر في الحديث حتى تتبين سلامته من العلل الخفية.

– وأما علاقة المعنى الاصطلاحي بالمعنى اللغوي الثاني وهو (العائق يعوق)، فإن الحديث المعلول عاقته العلة عن تصحيحه والعمل به.

– وأما علاقة المعنى الاصطلاحي بالمعنى اللغوي الثالث وهو (المرض) فهي علاقة ظاهرة أيضاً، وذلك أن العلة إذا طرأت في الحديث أوجبت ضعفه.

والظاهر مما سبق إيراده أن أقرب هذه المعاني إلى اصطلاح المحدثين هو المعنى الثالث. إلا أن للمعنيين الآخرين علاقة بالعلة عند المحدثين، فالمعنى اللغوي الأول يدخل في وسيلة تحصيل العلة، والمعنى الثاني هو نتيجة وثمرة وجود العلة.

 

ما هو القياس في الحديث الذي طرأت عليه العلة؟

القياس في الحديث الذي طرأت عليه علة (بمعنى المرض) أن يسمى (مُعَلّ) لأنه اسم مفعول من الفعل أعلّ. إلا أن المحدثين استعملوا (معلول)، وممن استعملها منهم:

1- البخاري في قصته المشهورة مع مسلم لما سأله عن علة حديث (كفارة المجلس)، وانظر مثالاً آخر في: لأعلل الترمذي (1/206)].

2- والترمذي في [سننه: (1/163) (3/427)].

3- وأبو داود في [رسالته لأهل مكة (34)].

4- وابن خزيمة كما في [السنن الكبرى للبيهقي (3/198)].

5- والعقيلي في [ضعفائه (1/252) (2/83، 139) (3،81)].

6- وابن حبان في [صحيحه (3/408) (4/483) (5/180،342) (6/428) (8/302)].

7- والحاكم في [معرفة علوم الحديث (59، 115)].

8- وأبو نعيم في [مستخرجه على صحيح مسلم: (1/48)].

9- والخليلي في [الإرشاد (1/157،322، 378) (2/809)].

10- وابن عبد البر في [التمهيد (16/237)].

11- والبيهقي في [سننه الكبرى (1/197) (4/143) (10/257)].

وقد اختلف أهل اللغة في جواز هذا الاستعمال:

1- فذهب بعضهم إلى منعه.

وممن منعه من أهل اللغة:

– ابن سيده (ت 458هـ) صاحب [المحكم] حيث قال: (والعلة: المرض. علّ يعِل واعتل، وأعله الله، ورجل عليل. وحروف العلة والاعتلال: الألف والياء والواو، سميت بذلك للينها وموتها. واستعمل أبو إسحاق لفظة المعلول في المتقارب من العروض…) ثم قال: (والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول في هذا كثيراً، وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج، لأن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل. اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم: مجنون ومسلول من أنه جاء على جَنَنتُه وسَلَلته، وإن لم يُستعملا في الكلام استغني عنهما بأفعلت، قال: وإذا قالوا: جُن وسُلَّ فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا: حُزِن وفُسِل).

– وقال الحريري (ت 516هـ) -كما في [درة الغواص في أوهام الخواص]-: (ويقولون للعليل: هو معلول، فيخطئون فيه، لأن المعلول هو الذي سقي العَلَل وهو الشرب الثاني، والفعل منه علَلْتُه، فأما المفعول من العلة فهو مُعَلَّ، وقد أعلّه الله تعالى).

-وقال الفيروز أبادي): (العلة -بالكسر-: المرض، علّ يَعِلّ، واعتل وأعله الله تعالى فهو مُعَلّ وعليل، ولا تقل: معلول، والمتكلمون يقولونها، ولست منه على ثلج).

وتبعهم بعضُ المحدثين في تخطئة من يقول (معلول):

قال ابن الصلاح في [معرفة أنواع علم الحديث] -المشهور [بمقدمة ابن الصلاح]-: (النوع الثامن عشر: الحديث المعلل، ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: (العلة والمعلول) = مرذول عند أهل العربية واللغة). وتبعه النووي، والعراقي، والأبنوسي، والسيوطي.

2- وذهب بعض أهل اللغة إلى جواز استعمال (معلول) في اللغة:

– قال الزركشي: (والصواب أنه يجوز أن يُقال: علّه فهو معلول، من العلة والاعتلال، إلا أنه قليل. ومنهم من نص على أنه فعل ثلاثي وهو ابن القوطية في كتاب [الأفعال]، فقال: (علّ الإنسان علة مرض، والشيء أصابته العلة) انتهى. وكذلك قاله قطرب في كتاب [فعلت وأفعلت]، وكذلك اللبلي، وقال أحمد صاحب [الصحاح]: (علّ الشيء فهو معلول من العلة). ويشهد لهذه العلة قولهم: عليل، كما يقولون قتيل وجريح، وقد سبق نظير هذا البحث في المعضل. وظهر بما ذكرناه أن قول المصنف (مرذول) أجود من قول النووي في اختصاره (لحن) لأن اللحن ساقط غير معتبر البتة بخلاف المرذول).

– وقال العراقي: (واعترض عليه -أي على ابن الصلاح- بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة، منهم: قطرب فيما حكاه اللبلي، والجوهري في [الصحاح]، والمطرزي في [المغرب]).

– وقال البلقيني: (فائدة: لا يُقال ليست مرذولة، حكاها صاحب [الصحاح]، والمطرزي، وقطرب، ولم يترددوا، وتبعهم غير واحد. لأنا نقول: المستعمل عند المحدثين والفقهاء والأصوليين إنما يقصدون به أن غيره أعله، لا أنه عُلّ بنفسه. والذي ذكره الجوهري: (عُلّ الشيء فهو معلول، وما ذكره في أول المادة من أن علّه الثلاثي يتعدى فذاك في السقي -أي بمعنى سقاه-، وحينئذ فصواب الاستعمال: المعلل إذا كان من أُعلّ).

والذي يظهر لي هو جواز استعمال (معلول) في وصف الحديث الذي طرأت عليه العلة، وذلك لأمور:

1- الأول: أنه قد أجاز هذا الاستعمال بعض كبار أئمة اللغة كقطرب، والجوهري، والمطرزي، وابن القوطية، وغيرهم.. ولذا لم يجزم ابن سيده بخطأ هذا الاستعمال. ولذا قال السخاوي: (إلا أن مما يساعد صنيع المحدثين ومن أشير إليهم استعمال الزجاج اللغوي له، وقول صاحب [الصحاح]: (علّ الشيء فهو معلول يعني من العلة)، ونص جماعة كابن القوطية في [الأفعال] على أنه ثلاثي…).

2- الثاني: أن له مخرجاً لغوياً. قال الفيومي في [المصباح المنير]: (العلة: المرض الشاغل، والجمع عِلل مثل سدرة وسدر، وأعله الله فهو معلول، قيل: من النوادر التي جاءت على غير قياس، وليس كذلك فإنه من تداخل اللغتين، والأصل أعله الله فهو معلول، أو من علّه فيكون على القياس، وجاء معل على القياس لكنه قليل الاستعمال).

3- الثالث: أن المحدثين استعملوا (معلول) والذي هو اسم مفعول لـ (علّ) بمعنى التكرار = استعملوه اسماً مفعولاً لـ (أعلّ) بمعنى المرض -والتي لا يصح عند أهل اللغة استعمال معلول منها-. ولعل هذا جائز نظراً لأن أصل الكلمتين واحد، ولوجود علاقة بين معنى الكلمتين، فإن معنى الكلمة الأولى وهو التكرار هو وسيلة لكشف العلة المأخوذ تعريفها من المعنى الثالث وهو المرض.

* فائدة: أيهما أولى استعمال معلول أو معلل؟

استعمال (معلول) أولى من استعمال بعض المحدثين (كابن الصلاح ومن جاء بعده) لـ (معلل)، إذ أن (معلل) اسم مفعول لـ (عَلَّلَ) وهو بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، وهذا لا يناسب المعنى الذي أراده المحدثون إلا بتجوز.

ولذا انتقد هذا الاستعمال بعض المحدثين، وممن انتقده:

– الزركشي حيث قال: (وأما قول المحدثين: علله فلان بكذا، فهو غير موجود في اللغة، وإنما هو مشهور عندهم بمعنى ألهاه بالشيء وشغله، من تعليل الصبي بالطعام. لكن استعمال المحدثين له في هذا المعنى على سبيل الاستعارة).

– وقال العراقي: (والأحسن أن يقال فيه: معل بلام واحدة، لا معلل، فإن الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به، من تعليل الصبي بالطعام، وأما بلام واحدة فهو الأكثر في كلام أهل اللغة، وفي عبارة أهل الحديث أيضاً، لأن أكثر عبارات أهل الحديث في الفعل أن يقولوا: أعله فلان بكذا، وقياسه معل، وتقدم قول صاحب [المحكم] أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل، وقال الجوهري: (لا أعلك الله أي لا أصابك بعلة)).

وتبعهما على ذلك السخاوي، وزكريا الأنصاري، والصنعاني، وطاهر الجزائري. ولولا خشية الإطالة لذكرت كلامهم.