تقرير أخباري: صالح النعامي
لا يستند التفاؤل الذي عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حول اقتراب كل من "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية من اتفاق إلى أي سند واقعي وحقيقي؛ بل على العكس تماماً، الأمور تبدى على حالها من الاستعصاء، بفعل تطرف الموقف الصهيوني.
مقربو كيري زعموا أنه قدم للمنطقة لعرض مقترح لجسر الهوة بين الجانبين بشأن الترتيبات الأمنية، التي يتوجب على الفلسطينيين الموافقة عليها قبل اتمام أية تسوية.
ويتضح مما كشف النقاب عنه بشأن مقترحات كيري المتعلقة بالترتيبات الأمنية، إنه يطالب السلطة عملياً بالتنازل عملياً عن 56% على الأقل من الضفة الغربية قبل الخوض في التسوية، دون أن يعني ذلك بحال من الأحوال انتهاء المطالب الإسرائيلية.
فقد تبنى كيري مطالبة "إسرائيل" بالاحتفاظ بمنطقة "غور الأردن"، الذي يشكل 26% من الضفة الغربية، والقدس الكبرى، التي تشكل 17%، والكتل الاستيطانية (8)، وما تم اقتطاعه عبر السور الواقعي، الذي يصل إلى 5%، وهذا يجعل مجموع المساحة التي يرى كيري إنه يتوجب على الفلسطينيين الاكتفاء بها لا تزيد من 56%.
ليس هذا فحسب، بل إن كيري طمأن الإسرائيليين بأن السلطة توافق على تجريد أية دولة فلسطينية ستقام في الضفة من السلاح، وأن الحدود ستبقى تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية.
ترف التطرف المفارقة أن التنازلات التي قدمها عباس ونقلها كيري للصهاينة لم تزدهم إلا تطرفاً، فوزير الإسكان الصهيوني أوري أرئيل أعلن أنه بصدد إصدار عطاءات لبناء آلاف الوحدات السكنية في أرجاء الضفة الغربية، وضمن المستوطنات التي سيتم البناء فيها، مستوطنات نائية، أي أنه بخلاف ما يعتقد قادة السلطة، فإن إسرائيل لا تفكر في تفكيك المستوطنات النائية التي يعني بقاؤها إبقاء السيطرة الصهيونية على كل أراضي الضفة الغربية.
لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى أن أرئيل ينوي البناء في مشروع " E1 "، الذي يربط بين القدس ومستوطنة " معاليه أدوميم "، وانجاز هذا المشروع يعني فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، لأن الشارع الذي يصل القدس بكل من رام الله في الشمال وبيت لحم في الجنوب يمر في المنطقة المخصصة لبناء هذا المشروع.
بكلمات أخرى أن أية دولة ستقام في المستقبل لن تكون دولة ذات إقليم متصل.
عباس يتحرك خارج السياق إن من دواعي الاستهجان حقيقة أن رئيس السلطة الفلسطينية يبدو غير ذي صلة بما يجري، فهو يعتقد أن ابداءه المزيد من التنازلات وتعبيره عن مدى الالتزام بتحقيق مع التسوية ستؤدي إلى اقناع الصهاينة بإبداء مرونة على مواقفهم.
فخلال لقائه بوفد يمثل حزب العمل برئاسة زعيمه الجديد إسحاق هيرتزوع، فوجئ ضيوف عباس الصهاينة بمدى " مرونته "، كما قال الجنرال عومر بارليف، عضو الكنيست عن حزب العمل.
فحسب بارليف فإن عباس لم يبدو اهتماماً خاصاً بمسألة اللاجئين والقدس والحدود، وكان مستعداً للموافقة على نزع الكيان الفلسطينين المستقبلي من السلاح. اللافت أن بارليف الذي تحدث إلى صحيفة " جيروسلم بوست " الصهيونية امتنع عن الكشف عن جوانب أخرى مظاهر " مرونة " عباس خشية أن يتم إحراجه.
اللافت أن حرص عباس على إظهار اعتداله ومرونته يأتي في ظل حرصه العملي على تواصل التعاون الأمني مع الجيش الصهيوني. ومن المفارقة أنه للمرة الأولى منذ تشكيل السلطة الفلسطينية قام مكتب الناطق بلسان الجيش الصهيوني بنشر صورة على حسابه في التويتر توثق لقاءً عقد الخميس الماضي بين ضباط في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وضباط في الجيش الإسرائيلي في مبنى الإدارة المدنية لتعزيز التعاون الأمني بين الجانبين.
من الواضح أن التعاون الأمني يهدف توثيق الحرب المشتركة ضد حركات المقاومة التي تعمل في جنوب الضفة الغربية، مع العلم إن الذي الفلسطينيين من أهلنا في الخليل هم الذين يتعرضون لأكثر الاعتداءات من المستوطنين بقيادة الفاشيين باروخ مارزيل، ورفاقه.
ذرائع لا تنتهي بالنسبة للصهاينة، هناك دائماً ما يبرر تجاهل التنازلات التي يقدمها عباس.
فأمام المؤتمر الذي عقده "مركز صبان" في واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، عاد وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان لهوايته المفضلة وهي الاستهزاء بعباس وتحقيره.
فبعد أن سبق أن وصفه بـ "الحشرة" و "التافه"، قال ليبرمان إن عباس لا يمثل حتى الفلسطينيين في الضفة الغربية التي يسيطر عليها، ليس هذا فحسب، بل أن ليبرمان، أبلغ الحضور بإنه في حال انسحب الجيش الصهيوني من الضفة الغربية، فإن حكم عباس سيسقط في غضون أقل من يوم.
قصارى القول، تفاؤل كيري مضلل وهو محاولة لابتزاز قيادة السلطة وتضليل الرأي العام الفلسطيني عبر الحديث عن تقدم وهمي في المفاوضات، في حين إن كل المؤشرات تدلل على عكس ذلك.