المشرف العام الشيخ الدكتور

محمد عبدالكريم الشيخ

السودان.. استمرار ثنائية الإسلاميين والجيش

السودان.. استمرار ثنائية الإسلاميين والجيش

يبدو أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير قد استطاع الاستفادة من الأحداث في دول الجوار وعمل علي تلطيف الأجواء بينه والمؤسسة العسكرية، و تمكين رموزها من مفاصل الدولة السودانية وإعادة سيطرتهم علي المشهد السياسي.

وهو معلم تقليدي منذ استقلال السودان عن مصر عام باستثناء فترة الحكم الديمقراطي في عهد الصادق المهدي التي استمرت عامين فقط، حيث رغب الفريق البشير في ضمان ولاء القوات المسلحة له وعدم تبنيها موقفا معادياً لها.

عبر تعيين الفريق بكري حسن سعيد العضو الوحيد الباقي من مجلس قيادة ثورة الإنقاذ نائباً أول، وعدم الاكتفاء بوجود حليفه الاقوي الفريق عبدا لرحيم محمد حسين في منصب وزير الدفاع فقط لضمان إحكام سيطرته علي المؤسسة العسكرية

بل أن البشير وحسب مصادر مطلعة استبق بخطوة إبعاد نائبه علي عثمان محمد طه انقلاباً عسكرياً وشيكاً لم ينتظر وقوعه كما فعل نظيره في الجنوب سلفا كير عندما فوجئ بأنصار خصمه ونائبه رياك مشار يحاول الإجهاز عليه وطرده من السلطة عليه.

حيث سعي البشير لإبعاد عدد من العناصر المحسوبة علي جماعة الإخوان المسلمين رغبة في التخفيف عن كاهل نظامه في ظل هجمة إقليمية ودولية تتعرض لها الحركة الإسلامية بشكل دفعه للتضحية برموز حكمه ولو مؤقتاً.

علي وقع اضطرابات اقتصادية واجتماعية، كادت أن تؤدي بنظامه بل أن تأكيدات ذهبت إلي أن إبعاد البشير لنائبه طه جاء في إطار توافق بينه وبين الأحزاب السياسية الكبري وعلي رأسها الأمة والاتحادي الديمقراطي في مسعى منه لإيجاد ظهير حزبي وشعبي لنظامه الذي يواجه صعوبات هي الأشد منذ عدة عقود.

وصولاً لإمكانية تقاسم السلطة بين الأطراف الثلاث بشكل يوفر رئة للنظام للاستمرار لفترة يستطيع خلالها ترتيب أوراقه في الداخل والخارج لاسيما أن ملفه في محكمة الجنايات الدولية لم ينته حتى الآن.

رغم تراجع حدة مطالبة اوكامبو بتنفيذ مذكرة التوقيف باعتبار أن سقوط نظام البشير قد يبدل الأوراق وهو ما سعي النظام عبر هذه الإجراءات لتجنبه عبر صفقة إبعاد طه مقابل خطب ود الأحزاب الثلاثة لمواجهة كم كبير من المشكلات السياسية والاقتصادية والعسكرية وهي صفقة تحظي بنوع من الارتياح في العواصم الكبري.

وحسب التغيير الأخير أطاح البشير بنائبه الثاني الحاج أدم يوسف ليحل محل الدكتور حسبو محمد عبدالرحمن، والبروفيسور إبراهيم غندور بديلاً لـ "نافع علي نافع" الرجل الأكثر تشدداً في الدائرة المحيطة بالبشير.

وهي تغييرات يبدو أنها أسالت لعاب قوي المعارضة التي اعتبرتها مناسبة جيدة لطي صفحة الإخوان المسلمين في الحكم والعمل علي صياغة المشهد السياسي في السودان مجدداً بعد ثلاثة عقود من سيطرتهم.

بل أن البشير سار في الشوط لآخره عبر توصيل رسالة للتيار الإسلامي بأن أي رد فعل عنيف سيواجه بحزم في ظل تغيير قانون الجيش والذي أجاز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وكأنه يقول للإسلاميين اقبلوا بالقرار الذي لم يخلو من مغازلة لهم بالإبقاء لهم علي قدر من النفوذ في الساحة.

ورغم وجود تسريبات بأن خروج علي عثمان محمد طه قد جاء بشكل طوعي أو رغبة في النأي بنفسه عن نظام يغرق حيث آثر طه البقاء بعيداً عن سفينة النظام الغارقة، والخروج من البلاد بأقل الأضرار لاسيما أن كافة المؤشرات علي الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري تؤشر لاقتراب هذه النهاية.

في ظل يتصاعد الغليان الشعبي ضد القرارات الاقتصادية وهو ما ظهر جلياً في الانتفاضة التي أوقعت ما يقرب من 200 قتيل، فضلاً عن استمرار التوتر في مناطق التماس لاسيما في جنوب كردفان والنيل الأرزق وجبال النوبة، وهو ما دفع البشير للرهان علي الجيش لحسم هدا الصراع بكل الوسائل.

طوق نجاة

ولكن هذا السيناريو بابتعاد طه طواعية عن منصبه يخالف إحداثاً عديدة شهدها السودان في الفترة الأخيرة منها نجاح طه في إبعاد العناصر الإصلاحية داخل الحركة الإسلامية بقيادة غازي صلاح الدين واتخاذ خطوات عززت من نفوذه داخل النظام مما شكل إزعاجاً للبشير.

وعزز مخاوفه من مواجهة مصير عدة أنظمة مجاورة ودفعه للرهان علي المؤسسة العسكرية لحماية نظامه وتكرر سيناريو إبعاد الترابي عن السلطة لإرضاء نظام مبارك حينذاك، وهي لعبة يجيدها البشير كثيراً كلما شعر بدنو شمس نظمه بالبحث عن طوق نجاة لذي بدت عليه علامات الترهل فضلاً عن هذا التغييرات قد حسمت الصراع بين الحزب والدولة لصالح الدولة وأجهزتها في هذا التوقيت المعقد.

وقد اعتبر البعض أن قسم البشير علي أن ابتعاد نائبه عن منصبه قد جاء طواعية جاء كرسالة طمأنة للقوي الإسلامية ألاّ تدخل في مناكفات سياسية بل أن عليها الاستمرار في دعم النظام لاسيما إن إبعاد غلاة الإسلاميين عن السلطة قد إربك خصوم البشير قبل معارضيه.

ونزع منه زمام المبادرة حيث كانوا يعتبرون وجود طه ونافع داخل دائرة المقربين من البشير أكبر معرقل للمصالحة الوطنية وتسوية المشكلات بين المؤتمر الوطني والأحزاب الرئيسية وهي تطورات لم تنه شكوك المعارضة في النظام بعد استعانة البشير بعدد من شباب الحركة الإسلامية.

وحرصه علي استرضاء وكأنهم يحاول توصيل رسالة للمهدي والميرغني علي أن الصلات بين النظام السوداني والحركة الإسلامية لازال قوية وقادرة علي الصمود حتى أن تغيرت بعض الشخصيات وغابت شمس البعض بهدف قطع الطريق علي رفع حزبي الأمة والاتحادي لطموحاتهما والرضا بما سيعرضه البشير عليهم.

رسائل طمأنة

ولم تتوقف رسالة التهدئة التي وجهها البشير للإسلاميين عند هذا الحد حيث أسهم الإعلان عن تعيين علي عثمان طه رئيساً لمجلس الشعب السوداني في إثارة الشكوك في أهداف البشير من إبعاد طه من منصبه.

وفتح الباب أمام تساؤلات عن محاولة البشير إبقاء ورقة الإسلاميين بيديه حال إخفاق محاولاته في الرهان علي المؤسسة العسكرية والحزبين الكبيرين لضمان استمراره في السلطة والتلويح بهذه الورقة في الوقت المناسب في ظل ما يتمتع به الإسلاميون من أرضية داخل الساحة السودانية يستطيعون عبرها التدخل للتصدي للحفاظ علي النظام.

لاسيما أن دعمهم اللامحدود في السابق أسهم في استمراره رغم الصعوبات التي وجهته خلال السنوات الأخيرة وهي مؤشرات علي أن محاولات البشير لخلط الأوراق واللعب علي الحبال قد تطيل أمد نظامه وتعطيه فرصة للبقاء في السلطة دون منغصات.

والحقيقة أن التغيير الوزاري الأخير في السودان ومجمل الأوضاع في دول الجوار وعلي رأسها جنوب السودان في ظل انقلاب سدنة الحركة الشعبية علي نظام سلفا كير يشير إلي أن الأوضاع في السودان لن تشهد تغيير دراماتيكياً خلال المرحلة القادمة.

فالمصاعب التي تواجه نظام كير في الجنوب وانشغاله بدحر معارضيه ستؤثر بالسلب علي دعمه للمعارضة الشمالية كما أن حالة الضعف والتشرذم لتي تعاني منها المعارضة السودانية تجعل قدرتها علي إحداث اختراق في المعادلة السودانية أمر شديد الصعوبة.

مما يؤكد أن حزب المؤتمر الوطني هو من سيقود حركة التغيير في السودان أما بالإبقاء علي رأس الدولة أو الدفع بأحد الرموز الإسلامية المنتمية للجيش لسدة السلطة مما يضمن استمرار الثنائية التي حكمت السودان خلال الربع قرن الأخير "إسلاميين والجيش " وهو تحالف مرشح للاستمرار لفترة ليست بالقصيرة.

المصدر: الإسلام اليوم