يبدو أن النظام الحالي في بات في موقف لا يحسد عليه بشان أزمة سد النهضة بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة بالسودان مع الجانب الإثيوبي. خاصة بعد بداية تأرجح الموقف السوداني، وانحيازه للجانب الإثيوبي علي اعتبار أن هذا السد مصلحة للسودان، وربما هذا الموقف الصادم إلى حد ما للجانب المصري وضعه في وضع حرج. فهو عملياً […]
يبدو أن النظام الحالي في بات في موقف لا يحسد عليه بشان أزمة سد النهضة بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة بالسودان مع الجانب الإثيوبي.
خاصة بعد بداية تأرجح الموقف السوداني، وانحيازه للجانب الإثيوبي علي اعتبار أن هذا السد مصلحة للسودان، وربما هذا الموقف الصادم إلى حد ما للجانب المصري وضعه في وضع حرج.
فهو عملياً حتى الآن ليس لديه أي أوراق ضغط علي الجانب الإثيوبي حتى الشريك الذي كان يعول عليه في تكوين جبهة قوية لمواجهة هذا المشروع وانحيازه لمصالحه.
ترك الجانب المصري وحيداً، والذي لم يعد لديه خيارات كثيرة، وحتى والخيار العسكري الذي رآه البعض أحد الأوراق الأخيرة يبدو أنه ليس هو الحل الأمثل في ظل أوضاع المنطقة بشكل عام، وأوضاع مصر بشكل خاص.
من هنا جاء فشل الجولة الجديدة من المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان في الخرطوم، حول سد النهضة الإثيوبي مؤخراً، ليضع النظام الحالي بمصر في ورطة حيث لا تنقصه المشاكل التي تحاصره من كل جانب.
ويبدو أن خلافات القاهرة وأديس أبابا لا تزال تشكل العقبة الكبري بينهما بشأن هذا السد، وجاء ما أعلنه وزير الري المصري ومن بعده نظيره الإثيوبي حول توصيات للجنة الخبراء وكيفية الاستجابة لها ليؤكد التباين بين الطرفين؛ وبالتالي فشل المفاوضات.
فقد انتهت جولة المفاوضات الثالثة بلا أي تقدم، بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا، والتي استضافتها العاصمة السوادنية الخرطوم، يومي 4 – 5 يناير الجاري، في محاولة لتقريب وجهات النظر حول المسائل الخلافية العالقة بشأن سد النهضة الإثيوبي. فمن جانبه تمسك الجانب الإثيوبي كالعادة، بشروطه الخاصة بشأن عمل فريق الخبراء الدوليين.
والتي تتمثل في تمكين اللجنة من حل أي خلافات قد تطرأ خلال فترة عملها، ورفض مناقشة ورقة بناء الثقة المصرية المقترحة، والتي شملت الاستعانة بالخبراء الدوليين لاستكمال الدراسات، وتحديد الأضرار الواقعة على كل دولة، وآليات تخفيف هذه الأضرار، وتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بقواعد تشغيل السد لضمان عدم الإضرار بالحصص المائية لمصر والسودان.
ولكن وزير الموارد المائية المصرية محمد عبد المطلب حمّل الوفد الإثيوبي فشل المباحثات، "لتعنته ورفضه مناقشة المقترحات" التي قدمتها القاهرة لحل الأزمة.
وقال: "إن مصر قدمت ورقة شملت نقاطاً للتعاون بين الدول الثلاث، إلاّ أن الوفد الإثيوبي رفض مجرد مناقشتها في الاجتماع"، مؤكداً أن بلاده لا ترفض التنمية في دول حوض النيل، "ولكن ذلك يجب أن يكون باتفاق دول الحوض".
و في المقابل لا يزال السودان يتمسك بالأمل رغم هذا الخلاف العميق فمن جهته نفى وزير الكهرباء والري السوداني معتز موسى فشل الجولة الحالية، معلناً عن جلسة أخرى لم يحدد، رغم أنه لا يزال الفشل يلاحق المسؤولين في مصر وإثيوبيا والسودان حول إيجاد صيغة لتجاوز الأزمة.
ويبدو أن هذه الأزمة أمامها الكثير من الوقت للوصول إلى حلول بشانها حيث تعود جذور الأزمة بين البلدين الي أبريل 2011، عندما أعلنت اثيوبيا البدء رسمياً في تشييد سد الألفية، قبل أن يتم تشكيل لجنة ثلاثية، في سبتمبر 2011، لتقويم تأثير السد على دولتي المصب مصر والسودان.
بيد أن الأزمة طفت على السطح بقوة أواخر مايو 2013، عندما أعلنت الحكومة الإثيوبية تحويل مجرى النيل الأزرق، والبدء فعلياً في بناء السد القادر على تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه عند مستوى الإمداد الكامل.
وقد أثار هذا الأمر أزمة كبيرة بين مصر وإثيوبيا، لاسيما في ظل الحديث عن المخاطر الكبيرة التي قد تلحق بحصة مصر المائية، والتي تقدر بنحو 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، يأتي نحو 85% منها من منابع النهر الأثيوبية، ورغم ذلك لم يأت رد الفعل الرسمي المصري تجاه تلك الأزمة على المستوى المأمول.
وزاد من اشتعال الأزمة بين البلدين إعلان البرلمان الإثيوبي في يونيو 2013، التصديق على الاتفاقية الإطارية لـ"عنتيبي" لإعادة تقاسم مياه النيل، والتي سبق أن صادق عليها بجانب إثيوبيا خمس دول نيلية، وهي: بوروندي، كينيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا.
ومع رحيل رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي، وتنصيب "هيلي ماريام" خلفًا له، ظهرت بادرة أمل في التعاطي مع أزمة سد النهضة، بإعلان "اريام" عن رغبة بلاده في إشراك مصر والسودان في بناء سد الألفية، ليشهد نوفمبر الماضي اجتماعاً، بهذا الشأن، بالخرطوم، بين وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا، شابه خلافات حول تكوين لجنة الإشراف على تنفيذ عملية البناء.
وقبل أيام من بدء الجولة الثانية من المفاوضات، ديسمبر الماضي، اتخذت الأزمة منحى جديداً، بإعلان الرئيس السوداني مساندة الجانب الإثيوبي، قائلاً "ساندنا سد النهضة لقناعة راسخة بأن فيه فائدة لكل الإقليم بما فيه مصر".
وفي تلك الجولة اتفقت الدول الثلاث على تشكيل اللجنة التي ستتابع توصيات لجنة الخبراء الدولية بشأن مشروع سد الألفية، وتوقيت تشكيل هذه اللجنة وتغطية تكاليفها، وبقيت بعض القضايا العالقة التي اتفق على إرجائها لحين عقد الاجتماع الحالي، وهو ما فشل الاجتماع في تحقيقه أيضاً.
وتاتي المخاوف المصرية جراء يوقعات بزيادة تفاقم الفجوة المائية بها مما يؤثر علي نصيب الفرد بها من المياة ، ففي عام 2025 يتوقع أن يصل عدد السكان مصر إلى 116 مليون نسمة، ومع ثبات موارد مصر المائية سيترتب على ذلك فجوة مائية تقدر بنحو 49 مليار متر مكعب في السنة.
كما أن متوسط نصيب الفرد من المياه سينخفض إلى 620 متر مكعب سنوياً، وهو أقل من خط الفقر المائي المقدر بنحو 1000 متر مكعب فرد/سنة، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
ومن ثم فإنه من الضروري أن تتعاون مصر ودول حوض النيل لزيادة الإيراد الفعلي لنهر النيل عبر تقليل الكميات المفقودة والمهدرة منه بفعل العوامل البيئة والمناخية، من خلال استكمال مشروع "قناة جونجلي" والذى توقف بسبب الاضطرابات والحرب الأهلية في جنوب السودان.
وإنجاز هذا المشروع يعني تقليل فواقد المياه التي تهدر في مستنقعات جنوب السودان بسبب البخر، والتي تقدر بنحو من 25-50 مليار متر مكعب سنوياً، وفي ذات السياق، يمكن لمصر أن تتجه نحو تدشين ما يعرف بالبديل الكونغولي.
والذي يهدف لإحياء مشروع ربط نهر الكونغو غزير المياه بنهر النيل عبر جنوب السودان (حوالي 500 كم)، وهو المقترح الذي من شأنه زيادة حصة مصر والسودان من مياه النيل بما لا يتعارض مع أي اتفاقيات دولية قائمة.
ووفق التقارير الصادرة حول هذا النزاع فإن إحدى نقاط الخلاف تتمثل بتأثير السد الذي يتكلف بناؤه 4.7 مليارات دولار وتبنيه شركة إيطالية على النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان.
وفي المقابل تقول إثيوبيا إن تقريرا مشتركاً لم تكشف عنه الحكومتان بعد يدعم تأكيداتها بأنه لن يكون هناك "ضرر ملموس" على تدفق المياه لكل من مصر السودان كدول مصب، كما تقول إن مياه النيل ستتدفق بحرية بمجرد أن يمتلئ خزان السد.
ومن جانبها، فإن مصر أجرت دراسات أظهرت وجود مؤثرات سلبية لهذا السد إذا ما تم تشييده على النحو المقترح، تتمثل في تدفق كميات أقل من المياه عند ملء الخزان وأن المزيد من المياه قد يتبخر بعد امتلائه.
وتستند مصر في الدفاع عن موقفها إلى معاهدات ترجع إلى عهد الاستعمار تضمن لها النصيب الأكبر من المياه، بينما تقول إثيوبيا ودول المنابع الأخرى المجاورة لها إنّ هذه المعاهدات عفا عليها الزمن.
وتلا فشل هذه المفاوضات ما يمكن أن نسميه بـ"الحرب الإعلامية" بين البلدين مجدداً الامر الذي يعيدنا بالذاكرة إلى مايو من العام الماضي، وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الإثيوبي "تادروس أدهانوم" في بيان: "إن بلاده لا يمكن أن تظل فقيرة ويجب عليها استغلال مواردها لانتشال شعبها من الفقر".
وتصر إثيوبيا رغم افتقارها للموارد على أنها تستطيع تمويل المشروع بنفسها دون مساعدة مقرضين دوليين يخشون من النزاع الدبلوماسي، وحصلت على قرض قدره مليار دولار من الصين لمد خطوط لنقل الكهرباء.
كما تقول إنه تم إنجاز 21% من المشروع الذي بدأ بسببه تحويل مجرى النهر مؤقتاً ضمن خطة تستهدف تحويل إثيوبيا إلى أكبر مصدر للكهرباء في أفريقيا.
ورد محمد نصر علام، وزير الرى المصري الأسبق، قائلا: "حتى الآن لم تطلب مصر أى مطلب رسمى من أثيوبيا خاص بالسد، كل ما حدث هو تشكيل لجنة دولية لتقييم الدراسات الأثيوبية للسد، وانتهت أن هناك سلبيات كثيرة فى هذه الدراسات، ويجب إعادة معظمها، وما يحدث حالياً هو تشكيل لجنة جديدة لاستكمال الدراسات التى لم تنفذها أثيوبيا لسد النهضة".
وتابع: "لا يوجد أى مفاوضات خاصة بالتخزين أو وقف البناء"، مضيفاً أنه حينما يتم التوافق على هذه الأمور يكون هناك مجال للاستمرار فى التفاوض، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن هو إهدار للوقت".
وقال: "أثيوبيا فرضت أجندتها على مصر والسودان، نحن نتكلم عن دراسات، ونعتقد أن أثيوبيا ستوافق على دراسات تدينها".
ويبدو أن أمر هذا الخلاف سيطول ويستغرق الكثير من الوقت حتي يتم الوصول الي صيغة لحله في ظل تفهم سوداني للموقف الاثيوبي بل التاكيد من جانب المسؤلين السودانيين علي أن هذا السد سيفيد السودان بشكل كبير.
وهذا يضع مصر في مأزق خاصة أن الجانب المصري بني مواقفه في هذه الأزمة وقبلها اتفاقية "عنتيبي" لتوزيع المياه علي تضامن السودان معه.
ولكن يبدو أن لغة المصالح بدت هي الأعلى صوتاً بعيداً عن عواطف عربية أو تاريخية، ولم يعد أمام مصر إلاّ إيجاد وسيلة ضغط جديدة علي اثيوبيبا، أو التفكير جدياً في مشروع نهر الكونغو.
المصدر: الإسلام اليوم