حكم الصلاة في المساجد التي بها إسفنج
الحمد لله، وبعد؛ فالواجب أن يمكن العبد جبهته وأنفه من موضع السجود، وقد كان الصحابة إذا سجدوا في شدة الحر بسطوا ثيابهم ليتأتى لهم ذلك، كما في حديث أنسٍ عند مسلم. وصنيعُهم يدلُّ على أن تمكين الأنف والجبهة عزيمةٌ؛ وهو قول عامة الفقهاء. فإن حصل السجودُ بحيث كانت جبهتُه ممكَّنة مما سجد عليه، سواءً كانت أرضًا صلبةً، أو ترابا رخوا، أو رملا، أو طينا، أو ثلجا، أو صوفا، أو قطنًا؛ فقد أدى الفرض. ويسمى ساجدًا لغةً وشرعًا إن استوفى ذلك بالأعضاء السبعة. ولا يلزم للتمكن والاستقرار على الأرض أن لا يتحرك منها الجزء الذي سجد عليه يسيرًا، أو يندكَّ بحيث يبلغ منتهاهُ، وهذا شرطٌ يُفهم من كلام بعض الفقهاء وليس بظاهر، ولم يشترط هذا القدرَ أكثرُهم؛ بل اللازم أن يمكِّن أعضاءه، فإن سجد على رمل ومكن جبهته وأنفه فيكفيه ذلك، وإن علم أنه مع زيادة ضغطهما تغوصان أكثر، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على ماء وطين، كما في حديث أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه في الصحيح في ليلة القدر: (فرأيت رسول الله يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين على جبهته)، والطين ينضغط كثيرا. فالمهم أن يحقق السجود؛ وذلك بتمكين أعضائه من موضع السجود، وإن قُدِّر أنه ينضغط أو يتحرك مع زيادة ضغطه فهذا لا يضر، ويسمى ساجدا، أما إن لم يُمَكِّن أعضاء السجود بحيث جعل سجوده مسَّاً بالجبهة للأرض فلا يعتد به، وسواء في ذلك من سجد على أرض صلبة أو لباد كما أشار إليه السائل أو سجاد، وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه (ما أبالي لو صليت على ست طنافس)، وصحت الصلاة على الطنافس ونحوها عن عدد من الصحابة. هذا مع أن الأفضل والأكمل أن يتوقى المسلم هذا الترف، وأن يتواضع لربه بمباشرة الأرض، أو الحصير ونحوه مما ثبت سجود نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك حال الاختيار. وعلى كل حال لا يجوز أن يتشدد فيشترط لصحة الصلاة ما لم يشرطه الله ورسوله، والله الموفق، وهو يهدي السبيل.